مرتبة لبنان في سلَّم أولويات صندوق النقد واهتماماته انخفضت… أبو سليمان لـ"النهار": طريقة مناقشة القوانين في اللجان شعبوية جداً
أشار الوزير السابق والمحامي المتخصص في الماليات العامة والدولية كميل أبو سليمان الى “إنخفاض مرتبة لبنان في سلّم اولويات صندوق النقد واهتماماته لسببين اساسيين: أولهما، انشغال الصندوق مع بلدان عدة تعاني أزمات إقتصادية مماثلة لظروف لبنان، تمثل مصلحة استراتيجية أوسع للصندوق، وتبدي تعاونا جديا لتنفيذ ما اتفق عليه معه، مثل مصر وأوكرانيا. وثانيهما، تراجع صدقية لبنان عند الصندوق”.
لا يبدو أبو سليمان متفائلا حاليا بالوصول الى نهاية النفق المظلم الذي يتخبط فيه لبنان نتيجة عدم الجدية التي يتعاطى بها معظم المسؤولين في لبنان، وجزم في حديث لـ”النهار” بأنه “لا حلّ إلا عبر صندوق النقد، بدليل أننا ننتقل من أزمة الى أخرى من دون حل في الافق، فيما المسار الانحداري يزداد ويتعمق”.
أضاف: “الطريقة التي تتم بها مناقشة القوانين الاصلاحية في اللجان النيابية شعبوية للغاية، لا سيما قانون الكابيتال كونترول الذي يتيح تسديد 800 دولار شهريا للمودعين”. وإذ سأل “عما اذا كان تم درس ميزانيات المصارف وتأثير مبلغ كهذا على ما تبقى من سيولتها بالفريش دولار”، حسم أبو سليمان الاجابة بالنفي.
“ثمة شروط مسبقة للصندوق لحظها اتفاق الاطار، وقد أكد الرؤساء الثلاثة لوفد الصندوق قدرة لبنان على تنفيذها، لكنها للأسف لم تنفذ حتى الآن… وصندوق النقد لا يزال ينتظر فيما لبنان لا يزال بعيدا عن تنفيذها وخصوصا حيال اقرار القوانين المطلوبة من الصندوق”، وفق ابو سليمان الذي استدرك بالقول: “صحيح أنه لا يمكن اقرار هذه القوانين من دون انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن في الانتظار، وبما أن وصفة صندوق النقد لن تتغير، يمكن الاتفاق على نصوص القوانين وتمريرها في سلة واحدة، كما يمكن للوزراء أن يعملوا على تنفيذ الشروط المتبقية التي لا تتطلب قوانين وخصوصا انشاء الهيئة الناظمة، شرط أن تكون فعلية وليس صورية تعمل عند وزير الطاقة، مع التأكيد على عدم تقليص صلاحيتها”.
كما يقترح أبو سليمان بدل التركيز على أمور هامشية والتلهي بمعارك جانبية، “التوحد للاتفاق مع صندوق النقد بغية زيادة مساهمة الدولة لتعويض الخسائر التي مُني بها صغار المودعين”.
ثمة اجماع على أن مسؤولية ضياع أموال المودعين هي مسؤولية مشتركة بين المصارف ومصرف لبنان والدولة، لكن أبو سليمان يرى أن “المسؤولية التعاقدية تقع على القطاع المصرفي كون الناس أودعت أموالها في المصارف وليس لدى مصرف لبنان أو الدولة اللبنانية، فيما يتوجب على مصرف لبنان دفع نحو 80 مليار دولار للمصارف في حين أنه لا يملك حاليا إلا نحو 9 مليارات دولار، اضافة الى احتياط الذهب الذي يجب عدم المسّ به”.
تابع: “أما الدولة فهي مجبرة استنادا الى المادة 13 من قانون النقد والتسليف على اعادة تكوين خسائر مصرف لبنان، بما يعني أن عليها مسؤولية غير مباشرة بدفع قسم من الاموال التي يجب أن يسددها “المركزي” للمصارف وهي ضرورية للتعويض على المودعين. والمسؤولية الاكبر التي تتحملها الدولة هي في اهمالها تنفيذ الاصلاحات المطلوبة منها، والانكى أنها بدل أن تنفذ المطلوب منها من اصلاحات راحت تصرف مليارات الدولارات يمنة ويسرة من دون خطة”.
وإذ يتخوف البعض من أن يكون مصير لبنان كمصير مصر التي تمر بظروف اقتصادية بالغة الخطورة على رغم أنها نفّذت شروط صندوق النقد القاسية منذ 10 أعوام، كان من بينها إلغاء الدعم عن الخبز والمحروقات، وتقليص عدد موظفي الجهاز الإداري، وتحرير سعر الصرف، بما أدى إلى قفزات قوية في الأسعار ارتفعت معها حدة التضخم، أوضح ابو سليمان أن “مصر مرت بفترة استقرار فاقت العشر سنوات، أما بالنسبة الى لبنان فلا حل أمامه الا عبر تطبيق برنامج مع صندوق النقد مع تعديل البند الذي يتعلق بمساهمة الدولة بالتعويض على المودعين”.
كذلك، لا يخفي أبو سليمان أن صندوق النقد “ليس حلا سحرياً لأزمات لبنان”، مضيفاً: “لكنه حتى الآن البرنامج الجدي والأفضل للخروج من الأزمة، علما أن ما يطلبه الصندوق هو اصلا شرط من شروط الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية ومنها البنك الدولي للمساهمة في مساعدة لبنان. كما أنها شرط اساسي للسير بالمفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوندز الاجانب، اضافة الى اهميتها لاعادة الثقة وضخ السيولة التي ستساهم بتحسين سعر صرف الليرة الذي على رغم الصرف العشوائي لما تبقى من أموال المودعين لا يزال سعر صرف الدولار الى ارتفاع. كما أنه حتى اليوم لم يتقدم أحد بخطة جدية اساسية”.
“المحاسبة مسألة مهمة” برأي ابو سليمان ليتقبل الشعب برنامج الصندوق أو غيره من الاصلاحات التي يمكن أن تكون قاسية بعض الشيء، ويقول إنه “يجب البدء بمطالبة كل المساهمين الكبار في المصارف ومديري المصارف والسياسيين الذين حوّلوا أموالهم بعد تشرين 2019 بشكل مخالف للقانون 44/2015 (قانون مكافحة تبييض الأموال)، ويجب اعطاء المعلومات حولها، ومن ثم محاسبة الذين حوّلوا أموالهم بعد تشرين”.
في الختام، شدّد ابو سليمان على “ضرورة الانتقال الى فترة التنفيذ والكفّ عن التذاكي لأن عامل الوقت لم يعد يرحمنا”، مستدركاً بالقول: “لا اعتقد أن الامور ستتحسن وسنبقى على حالنا في انتظار وعي المسؤولين، علما أن أحدا لن يصدق ان الدولة اللبنانية ستنفذ ما تعهدت به”.