المستقبل الرقمي الأردني في عهد الجيل الخامس بقلم الدكتور طلال أبوغزاله، رئيس ومؤسس مجموعة طلال أبوغزالة
في العصر الرقمي الحالي، تتطور التكنولوجيا بوتيرة سريعة. في بعض الأحيان، يبدو أنه تظهر تكنولوجيا جديدة جاهزة لإحداث ثورة في مستقبلنا بشكل يومي. ولكن مع العديد من الترقيات التكنولوجية المتكررة، من السهل أن ننسى الطرق المذهلة التي يتقدم بها العالم وكيف أن هذه التقنيات الجديدة، مثل شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، تفيد حياتنا ومستقبلنا.
يُعد قرار الحكومة الأردنية بإطلاق شبكة الجيل الخامس نقطة تحول في رؤية التحول الرقمي للبلاد بهدف تحقيق التطور الاقتصادي، وهو أمر ضروري لإطلاق العنان للإمكانات من أجل بناء مستقبل رقمي. أن الدوافع الوظيفية الرئيسية للجيل الخامس ستتيح مجموعة واسعة من الفرص، بما في ذلك تحسين طريق تقديم الخدمة وسبل اتخاذ القرار وتجربة المستخدم النهائي. أن شبكات الجيل الخامس ستنتج 13.2 تريليون دولار تضاف إلى القيمة الاقتصادية العالمية بحلول عام 2035، مما سيولد 22.3 مليون وظيفة في سلسلة القيمة العالمية لشبكات الجيل الخامس وحدها.
تعتبر التطورات غير المسبوقة في شبكات الجيل الخامس ونشرها وبيئتها والتجارب الخاصة جزء لا يتجزأ من هذا التقدم. وسواء بالنسبة للأفراد أو المجتمعات أو الشركات، فإن شبكات الجبل الخامس تولد قيمة ملحوظة عبر مختلف المجالات.
لذلك، بينما تستعد الأردن لإطلاق تكنولوجيا الجيل التالي، يمكن للدولة التعلم من تجارب جيرانها. كانت دول الخليج من بين الأوائل على مستوى العالم بتنفيذ وتسويق شبكات الجبل الخامس، وبالتالي، فقد أنشأت هذه البلدان نموذجًا يُحتذى به لأداء الجيل الخامس من حيث سرعة الإنترنت وحالات الاستخدام والتطبيقات التي تتجاوز خدمات الاتصالات الأساسية. اليوم، يمكن رؤية أمثلة على قيمة أعمال شبكات الجبل الخامس في عدد متزايد من تجارب حالات الاستخدام.
يرجع هذا التنوع في التطبيقات إلى أنه، على عكس الأجيال السابقة من الاتصالات بالهاتف المحمول التي كانت موجهة بشكل أساسي نحو التواصل، يضع الجيل الخامس الأساس الرقمي للبنية التحتية الجديدة لترقية الاتصال والذكاء الاصطناعي والسحابة والحوسبة والتطبيقات الصناعية وضخ حيوية جديدة في التنمية الاقتصادية، كما يتيح الاتصال الشخصي والمنزلي الذكي في ظل سيناريوهات كاملة، ويمكّن الذكاء الاصطناعي من الاستفادة من مختلف الصناعات، ويعزز التخزين والحوسبة السحابية عند الطلب، ويدفع الحوسبة التعاونية للأجهزة السحابية، ويسرع التحول الرقمي للأعمال الذكية المتصلة بالكامل.
تُعد الأردن في موقع جيد يمكِّنها من الاستفادة من مزايا شبكات الجبل الخامس حيث تمتلك الدولة مجموعة غنية من المواهب في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مدفوعة بنظام تعليمي تقدمي أعطى الأولوية لمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). وتُظهر البيانات أنه على الرغم من أن الأردن لا تمثل سوى 3% من سكان المنطقة العربية، إلا أنها تمتلك نسبة عالية من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا في المنطقة. كما تعد الدولة موطنًا لنظام إيكولوجي مزدهر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتماشيًا مع رؤية الأردن 2025 ومبادرة “ريتش 2025″، يحدث التحول الرقمي في جميع أنحاء البلاد بوتيرة متسارعة، حيث يساهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 12٪ في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهناك أكثر من 900 شركة نشطة في القطاع توظف حوالي 26000 موظف بشكل مباشر. كما تحتل المملكة الأردنية الآن المرتبة 49 على مؤشر ريادة الأعمال العالمي ولديها أكثر من 25 حاضنات ومسرعات أعمال ومراكز إبداعية.
بينما تشير نقاط القوة المذكورة أعلاه إلى مستقبل مشرق للنظام البيئي لشبكات الجبل الخامس في الأردن، يجب معالجة بعض المشكلات لجني أقصى مكاسب من التكنولوجيا حيث لا تستطيع شركات الاتصالات القيام بذلك بمفردها. أولاً، لا يمكن تجاهل أهمية الدعم الحكومي؛ حيث قدمت حكومة الأردن ذات التفكير المستشرف بالفعل حزمة تحفيز غنية للمشغلين لدعم تطبيق شبكات الجبل الخامس. ثانيًا، هناك حاجة إلى تشكيل تعاون وثيق لتعزيز شبكة الجيل الخامس من خلال شركات الاتصالات، وعليهم العمل مع المنظمين، والبائعين العالميين، وقادة القطاعات العمودية وشركاء النظام الإيكولوجي الآخرين ضمن معايير الصناعة ونماذج الأعمال التي أثبتت جدواها.
ثالثًا، يجب أن ترتكز التكنولوجيا التي ستدفعنا إلى الأمام إلى مبادئ سليمة وأخلاقية وذكية، ويجب أن تضمن الدولة بيئة عمل عادلة – بيئة تشغيل مفتوحة وتنافسية تمكن بائعي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العالميين من المساهمة في جهود الحكومة نحو الازدهار الرقمي بشكل فعال. لذلك، يجب أن نوفر لجميع بائعي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بيئة عمل مثالية عادلة ومرنة لدعم قدراتهم وتعزيز مساهماتهم في مستقبل بلدنا. على وجه الخصوص، نحتاج إلى تمكين هؤلاء البائعين من خلال طرح قصص النجاح الحالية والخبرات المثبتة في تمكين رحلة التحول الرقمية في بلدنا، كما هو الحال مع شركة التكنولوجيا العالمية العملاقة هواوي، التي تحافظ على علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع مشغلي الاتصالات والعديد من أصحاب المصلحة الرئيسيون الأردنيون.
تلهم هذه البيئة التمكينية شركات التكنولوجيا لكي تقوم بمشاركة خبراتها العالمية واستخدام قدراتها لتقديم القيمة المطلوبة لرحلة الرقمنة في الأردن والمساعدة في بناء اقتصاد رقمي مستدام قائم على المعرفة. هذا هو الأساس لبناء النظام البيئي الصحيح لاقتصاد رقمي مستدام.
أصبح التعاون عبر القطاعات من أجل تطبيق شبكات الجيل الخامس حقيقة واقعة في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة. تحتاج الأردن إلى تسريع الوتيرة حيث أن المجتمع الأردني على استعداد لهذا التغيير غير المسبوق. سيعود إطلاق الجيل الخامس وتسريع نجاحه التجاري بالفائدة على كل مواطن ومؤسسة، وستساعد التكنولوجيا على إطلاق الروح الإبداعية المعروفة بالبلاد مع ضمان توظيف المواهب العميقة في المجال إلى أقصى حد في البلاد.
الجانب الآخر هو الاحتمال الخطير للتأخر في الحصول على المزايا من قبل المواطنون والشركات على حد سواء في حالة حدوث أي تأخير في خطة الحكومة لإطلاق شبكات الجيل الخامس. لذلك، من خلال التعاون المفتوح والشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكننا تحقيق طموحات الأردن الحقيقية لإطلاق شبكات الجيل الخامس، والتحول الرقمي، والتحديث الاقتصادي، مع بناء اقتصاد رقمي مستدام قائم على المعرفة يمكن أن يبشر بموجة قادمة من النمو والتنمية في الأردن.