ندوة حول المرأة في المسيحية والإسلام (ندوة حول المرأة في المسيحية والإسلام)
“اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” و “المجلس النسائي اللبناني”
يُقاربان “مكانة المرأة ودورها في المسيحية والإسلام”
في إطار بروتوكول التعاون بين “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” و”المجلس النسائي اللبناني”، أُقيمت ندوة في بيروت (أوديتوريوم جمعية العناية بالطفل والأم)، بعنوان: “مكانة المرأة ودورها في المسيحية والإسلام”، وذلك يوم الثلاثاء الواقع فيه 20 أيار 2025.
أُستُهِلَّت الندوة بالنشيد الوطني اللبناني، وتمهيد من قِبل الأستاذة نجوى أبو زكي البعيني. ثم كانت كلمتان افتتاحيتان، أولاهما لرئيسة “المجلس النسائي اللبناني” الأستاذة عدلى سبليني زين، وثانيتهما لأمين سرّ “اللقاء” د. مصطفى الحلوة. أعقب ذلك مداخلتان وافيتان لرئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية سيادة المطران يوسف سويف، وسماحة المفتي الدكتور مالك الشعار. وقد تولّت البروفسورة بتول يحفوفي إدارة الندوة ومحاورة المحاضِرَين.
وقد كان حضورٌ حاشد، في عِداده رئيس “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” معالي الأستاذ محمد الصفدي، وممثّلو مرجعيات سياسية عُليا ودينية وعسكرية، ونواب ووزراء سابقون، وإلى مهتمين من مختلف المناطق. وقد طغى الحضور النسائي على المشهد.
كلمة رئيسة “المجلس النسائي اللبناني” الأستاذة عدلى سبليني زين
رأت رئيسة “المجلس النسائي” أن قضية المرأة تمثّل حجر الزاوية، في تطوّر المجتمعات البشرية، وأن الحديث عن مكانة المرأة، هو حديث عن قيم العدل والمساواة، وبما يأخذنا إلى التوقُّف عند أبعاد الدور الكبير الذي يمكن أن تُؤدِّيه المرأة في بناء المجتمع الإنساني.
وعن المرأة، في المسيحية، قالت الأستاذة سبليني زين، إنّ السيدة العذراء (عليها السلام)، تُجسِّدُ أسمى معايير الطهارة والوفاء، وهي مصدر إلهام لكل الأجيال. أما، في الإسلام، فقد أُعطيت المرأة حقوقًا عديدة، شكّل بعضها ثورةً، قياسًا على مفاهيم العصر الجاهلي، بما شرّع أمامها سُبُل المشاركة الكاملة في الحياة.
وقد دعت السيدة سبليني زين إلى تصحيح المفاهيم الخاصة عن المرأة، والتأكيد على الحقائق الجوهرية، في كلا الدينين، فيكون تكريمٌ للمرأة، وتمكينُ لها، ورفعٌ لشأنها، وذلك من خلال تحسين التشريعات، والتوعية المجتمعية. وأنهت قائلةً إنّ المجتمع الذي يُضحِّي بنصفهِ الآخر، لن يتمكَّن من تحقيق الاستقرار والتقدّم، ذلك أن تمكين المرأة هو تمكينٌ للمجتمع برمّته.
كلمة أمين سر “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” د. مصطفى الحلوة
توقّف د. حلوة عند الشراكة، التي توثّقت عُراها بين “اللقاء” و “المجلس النسائي اللبناني”، من خلال توقيع بروتوكول تعاون (15 كانون الثاني 2025)، الذي أثمر، منذ بداياته، فكانت ندوة مشتركة للهيئتين، بتاريخ 13 شباط 2025، موضوعها “دور المرأة في التربية على المواطنية”. وقد عُقدت في “مركز الصفدي الثقافي، طرابلس”.
وفي تعريف بـ “اللقاء”، أهدافًا وتوجُّهاتٍ وتطلّعات، فقد أوجز أبرزها:
- نشر الوعي بين الأجيال الطالعة، لاسيما طلبة المدارس والجامعات، بهدف تحصينها وزيادة مناعتها، ضد كل أشكال التطرّف والانحرافات.
- تفعيل دور منظومات القيم الأخلاقية، التي جاءت بها المسيحية والإسلام، بما يُحقِّق السلام المجتمعي، على قاعدة قبول الآخر المختلف.
- تكريس حوار الحياة، الذي يتطلّع إلى قيام مجتمع عادل.
- تعزيز الانتماء المواطني، على حساب سائر الانتماءات الفرعية والجهوية الضيقة.
وأنهى د. حلوة بالقول: صحيحٌ أننا كـ “لقاء”، انطلقنا من طرابلس، ولكنّ حراكنا سيشمل مختلف المناطق اللبنانية. وها نحن اليوم في بيروت، عبر ندوة حول “مكانة المرأة ودورها في المسيحية والإسلام”.. وغدًا وبعده في أمكنة أخرى.
كلمة سيادة المطران يوسف سويف /
عضو مجلس أمناء “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي”
إِستهلّ سيادة المطران سويف، مُنوِّهًا بهذه الندوة / الحدث الفكري الذي يأتي ثمرة تعاون بين “اللقاء” وبين “المجلس النسائي اللبناني”، معتبرًا أن السيدة عدلى سبليني زين، من خلال عضويتها، في مجلس الأمناء، هي روح اللقاء، وهي عضوٌ فاعلٌ فيه، إلى رئاستها المجلس النسائي”.
قال سيادته إنّ ما نشهده اليوم، مسيحيين ومسلمين، ليس وليد اللحظة، أو اتفاقية حصلت، بل هو ثمرة اختبار طويل، عشناهُ سويّة في طرابلس، وما نزال نعيشه ونستمر فيه مع سماحة مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام.
وقد رأى أن عنوان هذه الندوة يصلح أن يكون عنوانًا لمؤتمر، يستمر عدّة أيام، آملاً أن يتحقق ذلك، في القريب العاجل.
بما يخصّ أطروحة المرأة في المسيحية، فقد دخل عليه بداية، من باب اللاهوت المسيحي، مُتوقِّفًا عند نقاط ثلاث:
* النقطة الأولى: العذراء مريم في الكتاب المقدّس: لا يمكن التحدّث عن المرأة في المسيحية إلا باستحضار العذراء مريم، في القرآن الكريم، التي فضّلها الله على نساء العالمين. وأضاف، مع فتاة الناصرة، فقد اختارها الله من بين كل النساء. وهذا الاختيار يُعبِّر عن محبة الله وحنانِهِ. وقد تُرجمت هذه المحبّة بقولنا في الصلاة: “السلام عليكِ، يا مريم، يا ممتلئةً نعمةً “. هي مريم البريئة من كل دنس وبلا خطيئة، أعطت للجنس البشري يسوع، فادي العالمين. بهذه الصفات، نُدِبت العذراء لدور، بل لرسالة.
هذه الرسالة ظهّرت لنا مشهديّة العائلة، لأن يسوع وُلِدَ في إطار عائلي.
مريم حاضرةٌ في حياة الناس، في عُرس قانا. لقد بقيت، كأمّ، صامدةً أمام حقيقة الموت وحقيقة الصليب، حين ترك الجميع يسوع، حتى الرُسُل. بل كانت حاضرة بحياة الرسل، الذين كانوا يعيشون الإِحباط والخوف.
ولفت سيادتُهُ إلى أنّ العقيدة المسيحية تُركِّز على المقارنة بين المرأة الأولى (حوّاء الأولى) وبين المرأة الثانية (حوّاء الثانية)، أي مريم العذراء. ومع هذه الأخيرة، حصلت الطاعةُ للإرادة الإلهيّة. من هُنا، فهي رمز الأمومة، حيث هناك علامة البنوّة الروحية، من خلال إرادة الربّ.
* النقطة الثانية: حول مكانة المرأة ودورها في الكتاب المقدّس: أشار سيادته إلى أنّ ثمّة مشتركات بين العهد القديم والعهد الجديد، بما يخصّ المرأة.
ففي العهد القديم حشدٌ من النساء، مثل سارة وراحيل ورفقا.. ونرى ملكات ونبيّات، وربة البيت والأم.. ولكن هذه الصورة بقيت محدودة إزاء ما يتكشّف لنا في العهد الجديد، لاسيما في حياة يسوع. فحضور مريم هو حضور المرأة في الجماعة المسيحية الأولى، التي بدأت تُظهر المساواة أكثر بين الرجل والمرأة، كما كرامة المرأة.
وعن الآيتين الإنجيليّتين: “أيتها النساء إخضعن لأزواجكنّ، إخضعن لأزواجكنّ كما تخضعن للرب / أيّها الرجال أحبّوا نساءكم، كما أنّ المسيح أحبّ كنيسته وبذل نفسه عنها “، فإنه لا يمكن استيعاب أبعادهما، إن لم نتوقف عند الآية السابقة لهما: “فليخضع بعضكم لبعض خضوعه للمسيح”.
ويتحصّل أن عملية الخضوع هي عملية تقدمة الذات للآخر، من كليهما، أي الرجل والمرأة.
وقد سرد سيادتُهُ أسماء نسوة وتلميذات ليسوع، أدّين دورًا أساسيًا، من منطلق إيمانهنّ برسالته، وفي عِدادهن المرأة المجدلية، وهي ركيزةٌ أساسيّةٌ في المسيحية، كون المسيحية مبنيّةً على إعلان القيامة، أي قيامة المسيح من بين الأموات.
وثمة النسوة اللواتي خدمن يسوع، إذْ تواجدنَ عند الصليب مع العذراء مريم. وفي هذا الإطار استحضر مشهد مريم ومرتا شقيقتي لعازار، الذي أقامه يسوع من الموت.
وما أقواها من مشهدية المرأة الزانية، حيث أطلق يسوع قولته المشتهرة: “من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بأوّل حجر! “. وكذلك مشهدية ليديا، التي نقلت الإيمان إلى أهلها، ولدينا السامريّة، المرأة الوثنيّة الكنعانية (اللبنانية)، ولربما بدأت المسيحية معها في الجنوب اللبناني.
النقطة الثالثة: المرأة اليوم، في الكنيسة والمجتمع: إذْ شدَّد على أن الانطلاقة هي مع مريم العذراء، فقد راح سيادته، مُفصِّلاً الدلالات التي تختزنها الكنيسة، ببُعدها البشري وليس “الحجري”، بمعنى خدمة الرب، من خلال خدمة الإنسان أيضًا. فالمرأة المرتبطة عضويًّا، في إطار العائلة، أمتزوِّجةً كانت أم غير متزوجة، كان لها حضورها في الكنيسة.
وعن دور الكنيسة والقيِّمين عليها، على المستوى الرعوي، كان في أولوياتها، الإشكالية الآتية: أين المرأة؟ أين دورها اليوم، بخلاف ما كان في الماضي؟ دورها هو دور حضور خادم، حضور أمّ، حضور الشقيقة، حضور المكرّسة، حضور النسيبة والصديقة، والمرأة الحنون والفارح، المتضامن المسؤول، الواعي.. بل حضور الشراكة الفعّالة.
وعن المرأة اليوم أيضًا، قال سيادته: إن المرأة حاضرة اليوم في أُطُرنا الكنسيّة، في إطار الرعية والعائلة. وأشار إلى أنّ أبرشية طرابلس المارونية، التي تضمّ 125 رعيّة، فإن المرأة حاضرةٌ في جميعها، حاضرةٌ في الحراك الأساسي لهذه الرعايا، في المدرسة والجامعة والإدارة الكنسية.
وفي هذا المجال استحضر سيادته تدبيرًا للبابا الراحل فرنسيس، إذْ عيّن امرأة على رأس دائرة فاتيكانية. وهذا يحصل لأوّل مرة في تاريخ الكنيسة.
وختم سيادته، بأنه مع المرأة، تكمنُ إمكانية المصالحة والسلام، ولكن المهمّ أن تكون المرأة على صورة حوّاء الثانية، حوّاء الجديدة، العذراء مريم، الأم الثانية.
كلمة سماحة المفتي د. مالك الشعار /
عضو مجلس أمناء “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي”
إِستهلّ سماحتُهُ، مُعيدًا إلى الأذهان، بأنّ الحديث عن المرأة هو حديث قديم جديد، هي صنُو الرجل ومُتمّمةٌ لدوره ورسالته، والخلاف بينهما هو اختلاف تنوّع وليس اختلاف تضاد، وكلاهما يُمثِّل قضية واحدة، هي قضيّة عمارة الكون والحياة.
وعن توصيفه المرأة، فقد نعتها بالمخلوق الوديع وليس الضعيف، خلافًا لما يرى كثيرون. فقد حباها الله من الطاقة والملكات، كما الرجل. وهي التي تملأ فراغ الأسرة، وقت يكون الرجل مُنهمكًا في أعماله، ليؤدِّي دوره، كربّ عائلة.
– أشار سماحتُهُ إلى أن المشكلة بما يخصُّ المرأة، لا تعود إلى النصوص الدينية أبدًا. بل إلى انعدام الثقافة الدينية، وعدم الفهم الصحيح لنصوص القرآن والأحاديث النبويّة. ناهيك عن التأثّر بثقافات لا ترعى دور المرأة ولا خصوصيّاتها، مُحمِّلينها جُلّ الخطايا والسيّئات. فالمرأة لم تكن شرًّا، وإنما خيرٌ ونعمة. ولقد برّأ الإسلام المرأة من الخطيئة الأولى، التي أخذت بها بعض الشرائع الدينية. فهي لم تُخرج آدم من الجنة ولم تكن سبب عصيانه أمر الله.
في مواجهة أُطروحة كراهية المرأة، نجدُنا أمام هذه الآية الكريمة: “ولقد كرّمنا بني آدم “. وهذا التكريم، يقوم على معيار الإنسانيّة المجرّدة الشاملة، من دون أن يكون للذكورة أو الأنوثة شأنٌ في ذلك. علمًا أن هذا التكريم هو لسائر البشر، من المسلمين وغير المسلمين، ولأهل الكتاب، وسائر الديانات السماوية والبشرية.
– وفي تأصيل هذه المساواة فقهيًّا، يُبيِّن القرآن، في أكثر من موضع إنسانية المرأة: “يا أيها الناس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة، وخلق منها زوجها، وبثَّ منها رجالاً كثيرًا ونساء ” (سورة المائدة /1).. وإلى العديد من الآيات، التي تذهب في هذا المنحى.
المرأة، كما الرجل، تُجازى بالخير خيرًا، وبالشرِّ والسوء سوءًا وعقابًا. وفي القرآن الكريم: “ولهنّ مثل الذي عليهنّ “، أي لهنّ من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات.
.. بعد هذه الإضاءات العامة حول المرأة. توقّف سماحتُهُ مليًّا عند حقوق المرأة، حقّها في الحياة، إضافة إلى حقوقها المدنية وأهليّتها الاقتصادية.
– بما يخصّ الحق بالحياة، فهو أقدسُ ما متّع الله الإنسان به، كونه أساس ومُرتكز سائر الحقوق: “.. من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعًا ” (المائدة/23). هذه الآية، تقطع بأن القتل من دون حق هو جريمةٌ ضد الإنسانية جمعاء. وكلمة نفس هنا تُسقط الفارق بين الذكورة والأنوثة، فتكون قُدسيّة الحياة لكليهما، أي الرجل والمرأة.
* عن الحقوق المدنية، فقد جعل الإسلام للمرأة حقّ اختيار زوجها، ولا يجوز إرغامها على الزواج بغير رضاها.
كما أعطى الإسلام المرأة الحق في أن تشترط في عقد النكاح، أن يكون طلاقُها بيدها، وأعطاها حق الخلع، إذا نفرت من زوجها وكرهِته، كما أعطاها حق طلب الطلاق، إذا اكتشفت فيه عيوبًا مُنفّرة، أو كان مُصابًا بمرضٍ مُؤذٍ.
ومن حقوقها المدنيّة حقّ التعلُّم، وقد سوّى الإسلام في ذلك بين المرأة والرجل، بل حضَّ عليه.
* وأما عن الأهلية الاقتصادية، فقد أعطى الإسلامُ المرأة هذه الأهليّة كاملةً، تملُّكًا وتصرُّفًا، وبيعًا وشراءً (استقلال الذمة المالية عن ذمّة زوجها). كما منحها حقوقًا واسعة في الميراث، بحيث ترث أباها وأخاها وزوجها وأولادها وسواهم من أقربائها.
– وعن كسبها أموالاً من تجارة أو من طريق استثمار، فهي مالكةٌ لهذه الأموال، مُلكيةً خاصة.
وفي مقارنة للحقوق، التي ذُكِرت، فثمة بونٌ شاسع بين ما منحها الإسلام وما منحتها سائر الأمم.
– وعن حرية العمل، فقد أتاح لها الإسلام ممارسة الأعمال المشروعة، على غرار الرجل، وفي أي حقلٍ من الحقول، شريطة أن لا تُهمل مسؤولية بيتها وأولادها وزوجها.
– أما عن العمل السياسي (في النيابة والوزارة ورئاسة البلاد)، فالمعايير ذاتها، بما يخصّ حرية العمل إطلاقًا، ذلك أن الأصل في الأشياء الإِباحة.
وعن الحديث النبوي “لن يُفلِحَ قومٌ ولّوا أمرهم امرأة”، فلم يكن على إطلاقه، إذْ قاله النبي محمد (ص) عندما هلك شيرويه، أحد ملوك فارس، وتولَّت المُلك من بعده ابنتُهُ بوران.
– وعن سائر القضايا حول المرأة، لاسيما قضية الميراث، التي يكثر الجدل حولها، وقضية الشهادة (أمام المحاكم وسواها من أُطُر مماثلة)، فقد استأثرت بشرح وافٍ، من قِبل سماحته. فقد كان نقاشٌ لمختلف الآراء والاجتهادات، وكانت له مواقف تُضاد مواقف المتشدِّدين، مُتكِّئًا على أسانيد، من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، من مُنطلق أن الأديان وُجدت لخدمة الإنسان.