المؤتمر الصحفي للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت، لبنان
السيدات والسادة من الصحافة،
أختتم اليوم زيارتي إلى لبنان، زيارة كانت في بالغ الأهمية ومنتجة. لقد تأثّرت كثيراً بشدة بكل ما رأيته وسمعته.
خلال وجودي هنا، شعرتُ بجوٍّ من الفرص المُتاحة.
بعد واحدة من أصعب السنوات التي مرّت فيها البلاد منذ أجيال، يقف لبنان على عتبة مستقبل أكثر أملاً.
هناك نافذة أمل تبشّر بحقبة جديدة من الاستقرار المؤسساتي، بدولة قادرة بالكامل على حماية مواطنيها، ونظام يسمح بازدهار الإمكانيات الهائلة للشعب اللبناني.
يجب أن نبذل كل ما في وسعنا لجعل هذه الرؤية حقيقة واقعة.
كان هذا محور اجتماعاتي مع الرئيس جوزاف عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلّف نواف سلام، ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب.
مع وجود رئيس دولة، وحكومة، عند تشكيلها، سيكون لبنان في وضع جيد لتلبية احتياجات شعبه وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيه.
بالطبع، لا تزال تحديات ملحوظة قائمة.
خلال زيارتي للجنوب بالأمس، شاهدت بنفسي التأثير الإنساني الدراماتيكي ومستوى الدمار الهائل الذي سبّبه النزاع.
لقد عاد مئات الآلاف من السكان النازحين إلى ديارهم في جنوب لبنان، وجنوب بيروت، وسهل البقاع، وأماكن أخرى.
لقد وجد الكثير منهم منازلهم ومجتمعاتهم مدمّرة.
إنّ احتياجات إعادة الإعمار هائلة، ولكنها ليست مستحيلة.
فبالتعاون الوثيق مع السلطات اللبنانية والشركاء، ستكثّف الأمم المتحدة دعمها لعملية التعافي وإعادة الإعمار في جميع أنحاء لبنان.
كما كان العديد من الإسرائيليين ضحايا، حيث تأثرت حياتهم بشكل ملحوظ بسبب النزاع.
آمل بشدة أن يتمكّن جميع المتضررين من الجانبَين من العودة قريباً إلى المناطق التي عاشوا فيها ومن استئناف حياتهم اليومية.
السيدات والسادة الكرام،
إنّ وقف الأعمال العدائية إنما هو أمر هشّ، ولكنه قائم.
أدعو الطرفين، وكل من لهم نفوذ، إلى ضمان تحقيق الالتزامات المطلوبة.
كما يجب استخدام الآلية المُستحدثة لمعالجة القضايا العالقة.
لا بد من الإشارة إلى أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ انسحابه التدريجي من الأراضي اللبنانية، مع انتشار القوات المسلّحة اللبنانية بعدد أكبر جنوب نهر الليطاني.
ومع ذلك، نشهد استمرار تدمير المباني والبنى التحتية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى استمرار الغارات الجوية (المميتة).
من جهة أخرى، وخلال الأربعين يوماً الماضية فقط، اكتشف حفظة السلام التابعون لليونيفيل أكثر من مئة مخبأ غير محروس للأسلحة والذخائر، وقاموا بمشاركة مواقعها فوراً مع القوات المسلّحة اللبنانية.
إنّ قرار مجلس الأمن رقم 1701 واضح: يجب أن تكون المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من جميع الأفراد المسلّحين، ومن الأصول والأسلحة — باستثناء تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل.
لقد أُتيحَت لي الفرصة بالأمس لزيارة قوات اليونيفيل التي تقوم بمهمة حيوية.
لقد نفّذوا أكثر من 730 مهمة بالتعاون الوثيق مع القوات المسلّحة اللبنانية، مما ساهم في إعادة انتشارها إلى أكثر من 50 موقعاً.
كما قامت اليونيفيل بتسهيل 39 مهمة إنسانية بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية، والصليب الأحمر اللبناني، ومختلف هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية.
حاليًا، يقوم حفظة السلام بتعزيز قدراتهم وتكييف أساليب عملياتهم ضمن نطاق ولايتهم.
على الرغم من التحديات المستمرة، يمكن تحقيق إنجازات هامة بوجود الإرادة السياسية الكافية. كما يجب ضمان السلامة والأمن وحرية حركة اليونيفيل بشكل كامل.
لقد جدّد الطرفان التزامهما بالقرار 1701 كإطار لتحقيق سلام دائم.
وكما ذكرت، من الضروري الآن أن يتم انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، بالتزامن مع انتشار القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان كما تم الاتفاق عليه.
بالإضافة إلى ذلك، يجب احترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه، ويجب على الدولة حصر السلاح بيد الجيش.
فهذا يشكّل المبدأ الأساسي للقرار 1701.
وبالتالي، من المهم أيضًا النظر إلى ما بعد فترة الـ60 يوماً، لبدء مناقشات معمّقة حول سبل تنفيذ القرار 1701 هذه المرّة على جانبي الخط الأزرق، وفي لبنان، فيما يتجاوز ضفّتيّ نهر الليطاني.
أشجّع المجتمع الدولي على تعزيز الدعم للقوات المسلحة اللبنانية.
إن الأمم المتحدة، من خلال المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان وقوات اليونيفيل، ملتزمة بدعم الطرفين في التقيّد بالتزاماتهما بموجب القرار 1701 وضمان استمرار وقف الأعمال العدائية.
سيشكل ذلك منصّة لتنفيذ القرار بالكامل وتحقيق هدفه النهائي، وهو وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.
أود، من جديد، أن أشيد بالرجال والنساء في اليونيفيل الذين بقوا في مواقعهم، معرّضين حياتهم للخطر من أجل السلامة والأمن.
كما أود أن أعرب عن شكري العميق للدول المساهمة بقوات حفظ السلام التي لعبت دوراً أساسيّاً في مساعدة الأطراف على إيجاد طريق نحو السلام.
كما أود أن أشكر وأحيي جميع موظفي الأمم المتحدة في لبنان على شجاعتهم وصمودهم، واستمرارهم في تقديم الدعم رغم الظروف الصعبة والمخاطر الكبيرة. لقد ضحى البعض منهم بأرواحهم وأعطوا كل ما لديهم.
سيداتي وسادتي،
وأخيراً، يشهد الوضع في المنطقة تطورات متسارعة، بما في ذلك الاتفاق على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة، إلى جانب المستجدات في سوريا المجاورة.
أودّ أن أشيد بالحكومة اللبنانية والشعب اللبناني على تضامنهم المستمر في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
إن هذه الروح التضامنية بالذات هي ما يجب أن يظهره العالم تجاه الشعب اللبناني.
إنّ الطريق الماثِل أمامنا يحمل في طيّاته الكثير من الأمل، لكنه يستدعي أيضاً مواجهة تحديات ملحوظة، من بينها تنفيذ الإصلاحات وتعزيز الجهود لتحقيق المساءلة.
فيما يواصل الشعب اللبناني مسيرته بروح الوحدة في هذا المسار، تفتخر الأمم المتحدة بدعمكم وبالوقوف إلى جانبكم.
دعونا نغتنم هذه الفرصة إلى أقصى حدّ. شكراً لكم.