خطبة الجمعة للشيخ الخطيب
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.
والسلام عليكم ايها الاخوة والاخوات المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
في سياق الحديث السابق عن قيمة المرأة ومعيار التفاضل بين الناس حيث بيّنا انه لم يكن قائماً على اساس اللون او العرق او الجنس وانما على اساس موضوعي وهو التقوى الذي يعني القيام بالوظيفة المناسبة التي كُلف انجازها والقيام بها وليس على اساس نوعية هذه الوظيفة.
واليوم، وبمناسبة ذكرى وفاة السيدة الزهراء) س (وهي ذكرى اليمة على قلوب المؤمنين أعزّهم الله تعالى، نكمل هذا الحديث عن المرأة في الاسلام وقد اعطيت هذه السيدة الجليلة من المكانة المعنوية القمة من الاحترام والعظمة فكانت ام ابيها اهم لقب منحه لها رسول الله )ص( كأعلى وسام لعنوان الامومة في الاسلام واعتبارها النموذج الارقى الذي يحتذى في اكتساب العلم والمعرفة ما يكذب الادعاء بإنزالها المنزلة الدونية في المجتمع او التقليل من شأنها الانساني او من دورها الاجتماعي فقد احرزت بكفاءتها اعلى رتبة في السلم الاجتماعي في الإسلام، بأن كانت سيدة نساء العالمين بما تتمتع به من دوافع انسانية ودينية علماً ومعرفة وتقوى وخلقاً وأدباً وإخلاصاً.
إنّ الخطأ الاساسي الذي يُرتكب في التقييم ويُحكم على اساسه بمظلومية المرأة في الاسلام هو بأخذ المعايير الغربية على انها معايير صحيحة ومحاكمة الاسلام على اساس منها ، وهذا ليس صحيحا لا من ناحية التسليم بصحتها اولاً ، و لا بجعلها معياراً يُقاس على أساسها ثانيا ، فنوع الوظيفة لا يضيف وحده قيمة اخلاقية للإنسان، وانما يأخذ قيمته مما يمتلكه الانسان من قيم اخلاقية ويعكسه على سلوكياته ومن كيفية ادائه لوظيفته و من الخلفية والهدف اللذين يدفعان للقيام بها ،ولذلك فإنّ العدالة او الكرامة الانسانية لا تقتضي المساواة بين الرجال والنساء في كل شيء وإنّما بإعطاء كل منهما الوظيفة التي تتناسب مع طبيعته التكوينية والفسيولوجية، على أنّ الاسلام لم يحرم المرأة من العمل، وإنما وضع لها الضوابط التي تحفظ لها كرامتها الانسانية وخصوصيتها حماية لها من الانتهاك وتجعلها بمنأى عن التعرِّض للتحرش والاعتداء ويهيء لها المحيط الآمن للعطاء.
وبهذه الخلفية ولأنّ طبيعتهما التكوينية الذكورية والانثوية تجعل أحدهما جاذباً للآخر، وفي معرض الوقوع في علاقات جنسية تكون المرأة فيها الضحية ولا تقتصر نتائجها على الطرفين المباشرين وحسب، وإنما قد يؤدي ذلك الى الحمل من دون رباط شرعي وقانوني يلزم الرجل بتبعاته، وبالتالي الى ضياع الانساب ووجود الابناء غير الشرعيين الذين يفتقدون الرعاية الابوية ويعرّضهم ذلك الى الضياع والامراض النفسية ويدفعهم الى ارتكاب الجريمة الى غير ذلك من المشاكل الاجتماعية الخطيرة.
أيها الاخوة والاخوات، إنّ البناء الاجتماعي في الاسلام يرتكز بشكل أساسي على الاسرة التي تشكّل فيه النواة الصلبة، ويعتبرها الخلية الاساسية لبناء اجتماعي سليم وأنه بمقدار ما تكون هذه الخلية سليمة وصلبة بمقدار ما يكون هذا البناء سليماً ومنيعاً، ولذلك فقد بنى له سوراً منيعاً من الحماية يجعله قادراً على التماسك ومواجهة كل عوامل التفكك والدمار، من هنا فإن خلفية كثير من الاحكام والضوابط للسلوكيات الفردية اخذت فيها هذه الغاية وكانت المرأة محط العناية الفائقة لما لها من تأثير خطير في تحقيقها ، لذلك كان المنع من الاختلاط الذي لا يؤمن معه من الوقوع في الخطيئة وفرض الحجاب ومنع التعري وإبراز المفاتن والتبرّج وكل ما يسبب الاغراء إجراءاتٍ يُقصد منها حماية المرأة اولاً والمجتمع ثانياً من تبعاتها السلبية ، وليس إجراء ضد المرأة وحقوقها كما يروّج له ويُشاع، وأيّ انسانية وحقوق تحفظ للمرأة وأيّ كرامة لها في جعلها اداة لإثارة الغرائز الشهوانية الحيوانية؟.
إنّ كرامة المرأة تكون في تهيئة الظروف التي تمكّنها من اداء دورها ومشاركتها في البناء الاجتماعي السليم وفي ظروف ملائمة تحافظ فيها على انسانيتها ولا تجعل منها انثى يكون دورها في الاغراء والاثارة والمتعة الجنسية للذكور ما يخرجها من انسانيتها ويجعلها اداة للترويج التجاري لغاية كسب المزيد من الربح المادي، وأيّ معنى لحريتها حين يُراد لها التفلّت من الضوابط الاخلاقية التي تهيئ لها ان تقوم بأشرف وظيفة إنسانية في بناء أسرة سليمة ونظيفة او أي عمل شريف كالتعليم والتربية وسوى ذلك في بيئة نظيفة سوى الفوضى، وأن تكون صيداً سهلاً ورخيصاً للاهين والعابثين وتجار الفساد التي تقف خلفها فلسفة الالحاد واللذة واشباع الغرائز التي تحكم حضارة الفساد والافساد الغربي الذي استبعد القيم الاخلاقية من دنياه وأحلّ محلّها القيم المادية التي ستنتهي به الى الخراب الاجتماعي والدمار الانساني الذي هو نتيجة طبيعية للفساد الاخلاقي والخواء الروحي الذي يُعمل على تعميمه بشتى الوسائل والطرق في بلادنا التي ليس لها عذر في الالتحاق بركب الغرب الذي إن كان بُعدُه عن الدين وقيمه يبرره أنه لم يكن مهداً لنزول الديانات وارسال الرسل ووحي السماء وغيره من ممارسات بإسم الدين أوجدت مجالاً لانتهاجه هذا النهج المادي للخروج من أزماته وحروبه البينية الداخلية إن كان يوجد مثل هذه التبريرات للفكر والسلوك الضلالي الغربي. فليس هناك من مبرّر يدعونا كمسلمين ومسيحيين في العالمين العربي والاسلامي الى هذا السلوك حيث لم يكن الدين مانعاً وخصوصاً الاسلام من التقدم والازدهار، بل كان السبب في انتاج العلوم والانسانية والصناعات والتقدم أخذها الغرب منا وتخلّفنا حين تخلينا عن هذه القيم وتحكمت فينا الاهواء، ولكن رغم كل ما اصابنا من تراجع وتخلّف ما زالت متجذرة لدينا الكثير من القيم الدينية والاخلاقية الكفيلة باستنهاض مجتمعاتنا من كبوتها الراهنة ووقف انزلاقها نحو الاسوأ إن أحسنّا استغلالها، لذلك لا بد من مواجهة الحرب اللئيمة التي تواجه مجتمعاتنا وتستهدف بنيتنا الاخلاقية والاجتماعية بهدف إضعافها وتفكيكها باستنفار كافة الطاقات لمواجهتها والاستفادة من هذه الارضية التي لا يُستهان بها من الكنز الاخلاقي والقيمي المذخور في أعماق أعماق نفوس مجتمعاتنا.
أيها الاخوة والاخوات، إنّ الدعوات التي تُطلق اليوم لتعميم الفساد في مجتمعاتنا ونشر ثقافته ومحاولة تلطيفها بتبدل بعضها بمصطلحات لجعلها مقبولة لدى الناس والتدخل السافر لدى بعض السفراء والضغط على بعض أعضاء اللجان النيابية من اجل تشريعها يكشف عن مدى الخبث الذي تحمله هذه الدعوات وجديتها، مما يدعونا جميعا هيئات أهلية ومدنية وعلى رأسهم القيادات والمؤسسات الدينية للتنبّه الى خطورة الوضع والتنديد بشدة بهذه الدعوات والى مواجهتها بكل الوسائل.
وانا أكرر اليوم دعوتي الى كل القائمين بالشأن الديني في قرانا وبلداتنا وفي المساجد والحسينيات في المناسبات وبالأخص التركيز في خطب الجمعة على بيان خطورة هذه الدعوات اللاأخلاقية وشجبها وتوعية الاهل والاسر على إرشاد وتنبيه أبنائهم من الوقوع ضحية هذه المحاولات الساقطة وتتبع المدارس والتعاون مع اداراتها لمنع اي نشاط يشجع على هذه الثقافة الفاسدة.
إنّ المدارس والكادر التعليمي قاعدة اساسية لمواجهة هذه الثقافة لكن انهيار مؤسسات الدولة يجعلها ضعيفة امام هذه المحاولات الخبيثة، مما يدفع الجهات التي تعمل على ترويج الفساد الاخلاقي والشذوذ الجنسي على الاستفادة من هذه الثغرة للوصول الى هذا الهدف، وهنا نحذّر من حساسية هذا الموضوع مما يدفع الى مواجهة العاملين على هذا الافساد بالعنف ويؤدي الى القتل، فلتُأخذ هذه النتائج بالحسبان التي لا نريد أن تصل الاوضاع اليها.
ونحن اذ ننوه بالخطوات المتخذة في دعم المدراس والثانويات وتوفير النقل المجاني للطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية لتقوم برسالتها التعليمية في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها وطننا، فاننا ندعو القادرين والميسورين الى توفير كل مقومات الدعم للمؤسسات التربوية، ونطالب الدولة اللبنانية باعطاء الأساتذة في الجامعة اللبنانية والمؤسسات التربوية الرسمية حقوقهم التي تحفظ كرامتهم وتكفل لهم الحد الأدنى من العيش الكريم واللائق.
إنّ الخلافات بين القوى السياسية الداخلية أوصلت البلاد الى هذا المنحدر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والنقدية والاخلاقية واتاحت المجال لأمثال هذه الدعوات أن تخرج الى السطح بشكل فاجر، لذلك نكرر الدعوة الى التحاور والوصول الى توافق للخروج من الفراغ في المؤسسات الدستورية والتوصل الى إصلاح النظام الذي بدا واضحاً عدم امكان الاستمرار من دون تنفيذ الاصلاحات من ضمن اتفاق الطائف.
ونتوجه بالتحية لأبطال الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الذين يواجهون العدو الاسرائيلي الغاصب والارهابي الذي يمثل أكبر عار أخلاقي على جبين هذا العالم الذي يقف على راس تشريع دعوات الشذوذ الجنسي بسلاح الارادة والشجاعة والعنفوان ويسجّلون للتاريخ وبدمائهم الزكية أشرف وأشرس وأشجع المواقف، ويلقّنون العدو الجبان والغادر أبلغ دروس المقاومة والفداء في سبيل تحرير فلسطين كل فلسطين وعلى رأسها المسجد الأقصى.