بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور… الموازنة وتحقيق طموحات المواطنين
بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور…
الموازنة وتحقيق طموحات المواطنين
بناءً على نص المادة 112/1 من الدستور الأردن يتوجب على الحكومة أن تقدم الى مجلس الامة مشروع قانون الموازنة العامة المتضمن موازنات الوحدات الحكومية قبل شهر واحد على الأقل من بداية السنة المالية، وعادة ما يخضع مشروع هذا القانون لتحليلات واراء ونقاشات واسعة وذلك باعتباره يمثل خطة الحكومة للسنة المالية القادمة.
ولا شك بان موازنة العام القادم 2024 تحظى بأهمية خاصة، فهي تأتي في ظل ظروف عالمية وإقليمية استثنائية، كما أنها تدشن دخول السنة الثانية من جهود الإصلاح والتحديث التي تشهدها المملكة وانتهاء برنامج تصحيح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي والاتفاق على برنامج جديد.
تؤدي الموازنة العامة دوراً محورياً وتحمل في طياتها اثراً عميقاً على مجمل الأداء الاقتصادي من خلال السياسات المالية المتعلقة بتحصيل الإيرادات وإعادة توزيعها وفق الأولويات التي يتم إقرارها، وبالتالي تعمل على تعزيز الاستقرار المالي ويظهر أثرها المباشر على مستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين ومدى استجابتها لطموحاتهم التي تتمحور في الأساس على تحسين مستوى المعيشة وتوليد مزيد من فرص العمل مما يساهم في مكافحة الفقر والبطالة.
والموازنة العامة مرتبطة بشكل وثيق بمسارات التحديث الثلاث، فعلى محور التحديث الاقتصادي تعتبر هي المحفز والناظم للأنشطة الاقتصادية في مختلف القطاعات ويمكن للسياسة المالية أن تلعب دوراً ريادياً في تحفيز وجذب الاستثمارات المولدة لفرص العمل والمساهمة في رفع نسب النمو الاقتصادي، وفي مجال تحديث القطاع العام وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين يمثل التصنيف الوظيفي للموازنة انعكاساً للأولويات التي تضعها الحكومة ومدى حرصها على تقديم وتحسين الخدمات المختلفة وخاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم فهما الميدان الاوسع الذي يتجلى فيه الحرص ليس فقط على مصالح أوسع شريحة من المواطنين بل يجسد أيضاً العمل على تنمية الموارد البشرية التي تضمن توفر قوى بشرية تتمتع بصحة جيدة ومستوى مرتفع من التأهيل والتدريب مما يعنى الاستجابة والقدرة على التأقلم مع التطورات المستقبلية، هذا مع عدم التقليل من أهمية وضرورة الخدمات الأخرى بما فيها تطوير وتحديث البنية التحتية وتوفير أنظمة فعالة للنقل العام وغيرها.
ويشغل موضوع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي جانباً مهماً في الموازنة العامة مما يستلزم تخصيص موارد كافية لشبكات الأمان الاجتماعي وادارتها بفعالية وكفاءة تضمن الوصول الى الفئات المستهدفة وتلبية احتياجاتها وتمكينها من التغلب على المصاعب والتحديات التي تواجهها.
أما ارتباط الموازنة العامة بالإصلاح السياسي فهو يتطلب العمل على توفير مزيد من الشفافية التي تتيح للمواطنين مراقبة الأداء وفق مؤشرات قابلة للقياس، فكما هو معلوم يتمثل الهدف النهائي للإصلاح السياسي في تأليف حكومات حزبية برامجية وهذا يعني توفير البيانات والمعلومات التي تمكن المواطن من تقييم الأداء الذي يتيح له مستقبلاً تحديد خياراته المختلفة، وفي هذا الاطار تمثل وثيقة دليل المواطن للموازنة العامة أو كما تسمى احياناً موازنة المواطنين، والتي دأبت دائرة الموازنة العامة على إصدارها منذ سنوات، وسيلة مهمة لنشر الوعي بين أوسع شريحة ممكنة وتوفير معلومات تم صياغتها بلغة مبسطة لفهم الدور الذي تؤديه الموازنة العامة ومدى توافقها مع البرامج المطروحة، كما أنها تساهم في تعزير الثقة وتوفير قنوات تواصل لغايات التحديث والتطوير.
ولا بد من الإشارة ايضاً الى أن تعزيز اللامركزية والتعاون الوثيق مع مجالس المحافظات يساهم بفعالية في تحديد المشاريع وأوجه الانفاق التي تستجيب لاحتياجات المواطنين وأولياتهم وتنهض بالخدمات المقدمة لهم وترفع سويتها خاصة اذا توفرت الاليات المناسبة للتعاون وتكامل الجهود بين مختلف الجهات الفاعلة في المحافظات والبلديات واعتماد المنهج العلمي في تحديد المشاريع وفق أسس واضحة تطمح لخدمة المواطن وتمكينه من المشاركة في تحديد متطلباته.
الوصول لموازنة تحقق مصالح المواطنين وتستجيب لطموحاتهم ليست مهمة سهلة خاصة في ظل الظروف والتحديات التي تواجه المالية العامة الا انه من المهم توفر رؤية واضحة للأهداف التي يتم السعي لتحقيقها عبر إجراءات تتصف بالاستمرارية وقابلة للقياس والتقييم وتخضع للمراجعة المستمرة التي تضمن السير قدماً في مختلف الظروف وتواصل فعال مع المواطنين يتيح الاخذ بآرائهم ويعتمد تقييمهم لتصحيح المسار، ولعل أهم ما يجب البدء به التوصل الى آلية لتخفيض نسبة النفقات الجارية وزيادة النفقات الرأسمالية والسعي للحد من النمو المضطرد في الدين العام ومواصلة العمل لتوجيه الانفاق نحو الأولويات ذات الأثر المباشر على توليد فرص العمل ومستوى حياة المواطن ونوعية الخدمات المقدمة له.