المرتضى من بعقلين: بنو معروف من صنّاع التاريخ لا يمكن اختزالهم او تهميشهم او الحاقهم، حماةٌ للثغور، وحرّاسٌ للقيم وللوحدة، واوفياء لفلسطين
شدًد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على أن:” بني معروف كانوا على الدوام ملتزمين بقضايا القومية العربية، ثابتين على الإنحياز للحقّ، منبرين بقدرة ابداعية على بثّ الوعي، مستمرين بعزيمةٍ منعقدةٍ في السير على درب مناهضة المشاريع المشبوهة التي تحاك ضدّ هذه المنطقة وشعوبها وأثبتوا أن حضور الثقافة هو السلاح الاقوى والافعل في مواجهة التّغريب ومشاريعه.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره حفل توقيع كتاب “حماة الثغور” للدكتورة ليلى ابو شقرا في مقر المكتبة الوطنية – بعقلين وبالتنسيق مع اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي للموحدين الدروزفي لبنان وبحضور حشد كبير من الفاعليات والشخصيات السياسية والثقافية والادبية .
ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى :”في كلّ مرةٍ تكون فيه ههنا، في المكتبة الوطنية في بعقلين، عليك… أوّل ما عليك…. ومن جملة ما عليك، أن تستحضر أنّ هذا المكان البهيّ، كان في زمن مضى سجناً بزنازين …. على رأسه صاحبُ شرطةٍ يعاونه سجّانون، ويقبع في غياهبه نزلاء أذلّاء…. عليك أن تستحضر هذه الصورة وأن تقارنها بالواقع الراهن الناطق بأنّ هذا المكان قد اضحى منهلاً عذباً للعلم والمعرفة تمتلىء منه الأجيال فتتحصن بالشرف وتترصّع بالعلم وتسمو بالمناقب وتمضي إلى حيثُ تصير سحائبَ خير”
وقال :” علينا أيّها الأحبّة أن نستحضر كلّ هذا وأن نستذكر بالتزامن ذلك المثل الذي يقول: “مَن فتحَ مدرسةً أغلقَ سجنًا”، تدليلاً على عظمة الفعلِ وسموّ الفاعل، فكيف هو الحال في فعل وفاعل إغلاق السجن وتحويله الى مكتبة؟ نعم أيها الاحبّة علينا أن نعترف أن من علائم عظمة بعقلين أنها تكاد تكون وحدها، في كلّ هذا الشرق المقيّد المصفّد، التي قَلبَتِ الصورةَ، معلولًا على علّةٍ أو نتيجةً على سببٍ، وجعلت ما كان مثَلًا مأثورًا مثالًا منظورًا حين أغلقت سجناً وحوَّلَتْه إلى واحة ثقافية، وأبدلت السجّان بغازي صغب، فبورك هذا المعلم الثقافي وبورك من بادر الى استحداثه وبورك عزيزنا غازي الحارس الأمين على حسن سير العمل فيه.”
وأضاف :” أتأمّل في كلّ هذا أيّها الأصدقاء والأحبّة فأخلصُ الى أنّه ما كان ليكون لولا تجذّرُ الفكر في بني معروف وتمدّدُه في شرايين الوطنِ والعروبةِ، منذ الأميرين شكيب وعادل أرسلان وعجاج نويهض وعارف أبو شقرا وعارف بيك النكدي، كي لا أعود الى ما قبلهم من الكبار الذين تضيق الدنيا بسَعَةِ أسمائهم، وصولاً الى الشهيد المعلّمِ كمال جنبلاط، وتلامذتِه الذين اقتدَوا به سيرةً ومسيرةً، ومنهم المؤلّفة العزيزة الدكتورة ليلى ابو شقرا، التي وثّقت سيرة تلك القامات الوارفة في كتابها القيّم “حماة الثغور” المجتمعين نحن اليوم للإحتفال بولادته….. وإنْ أنسى لا أنسى الكبير شوقي حمادة الجالس على أريكة إمارة الضاد سعيدًا مطمئّناً وكيف لا يكون كذلك…ولسان الحقّ يلتمس ُ الإذن من جبران خليل جبران ليصدح: اذا ما روضةُ الأداب باهت بعالي الدوح باهينا بنخله فنتساوى، وإن أردنا باهينا “بشوقي” فنرجح.”
” وتابع المرتضى :” حماة الثغور” على ما أتت عليه أطروحة الدكتورة ليلى أبو شقرا هو العنوان الذي يختصر التاريخ المجلّي والناصع في القرن العشرين للعلماء الموحدين الذين دخلوا المجد من بابه العريض وأثبتوا أن حضور الثقافة هو السلاح الاقوى والافعل في مواجهة التّغريب ومشاريعه.ولم يكن المشروع ليكون خطيرًا لولا تغوّل المشروع الصهيوني في بلادنا حتى ما قبل نكبة ال ٤٨ حيث حيكت المؤامرة عشرات السنوات قبل وعد بَلفور وتحضّرت لفلسطين وللمنطقة على يد الحركة الصهيونية العالمية التي كانت تتحين فرصة الانقضاض على شعوب المشرق العربي.
معتبراً أن :” كتاب الدكتورة ليلى الذي يوثّقُ مآثر أفذاذٍ من بني معروف لا يثبّت الموحّدين كطائفة مؤسسةٍ فحسب بل أكّدت المؤكدَ من أن المجتمع الذي انبثق منه هؤلاء الأَعلام كان البيئة الحاضنة لنشوء الفكر التوعوي المقاوم بكل ابعاده وما مواقف الأخوين الأميرين شكيب وعادل أرسلان ودورهما في كشف الستار ورفعه عن مخططات الصهيونية ومصير المنطقة والعملاء المتآمرين المحسوبين على الأمّة العربية، (وهو ما إجتهد في بيانه أيضًا كلٌّ من عجاج نويهض وعارف أبو شقرا وعارف بيك النكدي)، ما ذلك الاّ دليلٌ ما بعده دليل على أن بني معروف كانوا على الدوام ملتزمين بقضايا القومية العربية، ثابتين على الإنحياز للحقّ، منبرين بقدرة ابداعية على بثّ الوعي، مستمرين بعزيمةٍ منعقدةٍ في السير على درب مناهضة المشاريع المشبوهة التي تحاك ضدّ هذه المنطقة وشعوبها.”
وأردف :” ولقد نضحَ كتاب الدكتورة ليلى بالشواهد التاريخية والتوثيقية فنقل بدقة المقابلات الاعلامية والتصاريح والمحاضرات والمواقف كما وثّق بعض الأحداث السياسية والاقتصادية وجعلها شواهد على مآثر وتأثير الفكر المعروفي وايضاً على إنتمائه الى الاسلام دون المساس بفرادتهم وتجربتهم الخاصة التي أدت الى بروز دورهم في التاريخ، كل ذلك في ردٍ واضح على محاولات سلخ المعروفيين وتصويرهم كفصيل منشقحماة الثغور” كتاب توثيقي وهذا صحيح لكنه أيضًا وبقوة كتابٌ تأسيسي للدور والمهمة والمشروع والهوية المعروفية الحقيقية القائمة على جملة ركائز أهمها الحرص على القيم وعلى مبدأ العيش الواحد انطلاقاً من إعتقادٍ راسخ بأن عيش المعية والقيم الدامعة ولبنان صنوان، فهما السمتان الأساس للصيغة اللبنانية إنّ سلبتنا منّا زال وطننا تبعاً لزوال الصيغة علامته الفارقة وسببه الموجب.”
مشيراً الى انه :”ومما يُسجّل للدكتورة ليلى تركيزها في الكتاب على أن التصاق بني معروف بالجبل لا يعني حصرهم في منطقة أو ناحية أو بلد أو قِطر فهم ضميرُ الأمّة العربية وجزءٌ من جراحها ونهوضها ونهضتها وما نراه ونسمعه من مواقف من القضية الفلسطينية والأزمة السورية يعيد الى الأذهان ارث الكبار الذين وردت مآثرهم في كتاب ” حماة الثغور” وهذا دليل على أن بني معروف من صنّاع التاريخ في منطقتنا وان اختزالهم أو تذويبهم أو إلحاقَهُم ضربٌ من ضروب الهذيان الفكري لأنّهم قادة غير منقادين يصنعون التاريخ ولا يصنَعُهُم واوفياء لفلسطين.”
واستطرد المرتضى :”نعم أيّها الأحبة، إنّها شهادة حقٍّ نقولها بكلّ صدق وحريّة ضمير، إنّ بني معروف كانوا على الدوام، وما برحوا، حماةً للثغور، ولكن لا لثغور الجغرافيا فحسب وإنّما لثغور الأخلاق والقيم والوحدة الوطنية وقضايا الحقّ بشكل عام، ولنا شاهدٌ حيٌّ على ذلك كيف إنبرى بالأمس رجالٌ بعمائم بيض أذكر منهم سماحة شيخ العقل الدكتور سامي ابو المنى وكبير مشايخ البياضة الشيخ فندي شجاع، إنبروا، في وقتٍ كثر فيها المنكفئون وإنعدم فيه المتكلمون، لا لتأييد وزير الثقافة في سعيه الى الدفاع عن قيم اللبنانيين الجامعة فحسب، بل مضوا ليكونوا وبكلّ ما للكلمة من معنى رأس الرمح في معركة الدفاع عن هذه القيم، بوضوحٍ ما بعده وضوح، وبإقدامٍ ما بعده اقدام، فثبُتت بذلك أقدامُنا، وازددنا ولعاً بقيم هذا الوطن، وعزمًا على الدفاع عنها، وإيماناً بأنّ من أجمل ما عندنا في لبنان هي قافكم يا بني معروف.”
وجدد القول :” تلك القاف التي قلنا عنها في “خلوات البياضة”: “بأنّها ستبقى تجلجل في حلوق بني معروف إرثًا نقيًّا يتناقلونَه حنجرةً عن حنجرة، فتعيدُنا عندما نسمعُها إلى فخامة العربية وأُبَّهةِ النطقِ بها، وستبقى أيضاً القوة القاهرة القادرة على قول الحق وحفظ القيم والأخلاق والتقاليد، وستبقى مِطرقةً تنزِلُ على مواقف كلِّ من يريد بوطننا ومجتمعِنا ووحدتنا وهويتنا شرًّا.”
وتوجه الى المؤلفة بالقول :”ويا دكتورة ليلى، بورِكَ كتابُك التوثيقي والموثوق الذي سيكون ضيفًا فوق العادة على رفوف المكتبة الوطنية في وزارة الثقافة، وبورك جُهدك الكبير الذي احترم منهجيات البحث العلمي فرسَّخَ التاريخ في التاريخ وجعل من كتّابِنا ومفكِّرينا وإن انتموا الى طائفة محدّدة، مناراتٍ عربية وعالمية يُهتَدى به.اللهم وفقنا جميعاً أن نعمل ما تحبّه وترضاه وأن نكون الحرّاس الواعين الأمينين المتحابّين المتعاونين على حماية كل ثغرٍ من ثغور وطننا وأمتنا العربية….اللهمّ آمين
عشتم يا أبناء وأحفاد حماة الثغور….عاشت ثقافة الوعي والوحدة والقيم ليبقى لبنان.
وكان الحفل أستهل بكلمة ترحبيبة من مدير مكتبة بعقلين الاستاذ عازي صعب ، وكلمة اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي للموحدين الدروز في لبنان للدكتورة منى رسلان ، تلاها قراءات نقدية موضوعية للكتاب ومداخلات لكل من السادة : الاستاذ الجامعي كامل فرحان صالح ، مدير عام الجلسات واللجان في مجلس النواب رياض غنًام ، رئيسة مركز الابحاث في كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة البنانية الدكتورة وفاء ابو شقراء وكلمة للمؤلفة الدكتورة ليلى ابو شقراء ، وادار الندوة الاعلامي عبدالله ملاعب .