المطران ابراهيم في عيد ارتفاع الصليب المقدس : حمل الصليب يعني أن نحمل بفرح وشجاعة شهادة المسيح في هذا العالم
بمناسبة عيد ارتفاع الصليب المقدس، وبدعوة من كاهن رعية القديس اندراوس الرسول الأب طوني الفحل، احتفل رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالذبيحة الإلهية في ساحة الصليب في حمّار المعلقة، بمشاركة الأرشمندريت عبدالله عاصي والآباء طوني رزق، ايلي البلعة وشربل راشد، وحضور السفيرة كارولين معلوف سعادة وحشد كبير من ابناء الرعية.
بعد الإنجيل المقدس كانت للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن معاني الصليب فقال:
” احبائي سكان هذا الحي المقدس، هذا الحي يتقدس بأهله، هذا الحي الموجود على تلّة وكأن اهله يرتفعون نحو السماء، والسماء لهم قريبة.
معكم أتيت الليلة كي نكرّم صليب المسيح ونتأمل في حمله الصليب وفي حملنا نحنُ على مثاله صليبنا كل يوم بألم وفرح.
الصليب هو رمز للمعاناة والتضحية والموت. يسوع حمل الصليب وصُلب لأجلنا، لكي يخلصنا من الخطيئة والموت الأبدي. يسوع دعانا لحمل الصليب واتباعه، لكي نشاركه في محبته وطاعته وخدمته. حمل الصليب يعني أن ننكر أنفسنا، أي أن نتخلى عن مشيئتنا الخاصة وأهوائنا الجسدية، وأن نقبل مشيئة الله في حياتنا. حمل الصليب يعني أيضًا أن نحمل بصبر وثقة المحن والابتلاءات التي تأتي على درب اتباع المسيح. حمل الصليب يعني أخيرًا أن نحمل بفرح وشجاعة شهادة المسيح في هذا العالم، حتى لو كان ذلك يستوجب الاضطهاد أو الاستهزاء أو الرفض.”
واضاف” حمل الصليب ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى القيامة. فكما قام يسوع من بين الأموات بقوة الروح، كذلك نحن نرجو أن نقوم معه في الحياة الجديدة. فالصليب لا يفضي إلى الفشل والظلام، بل إلى الانتصار والنور. الصليب هو عرش المجد، وشجرة الحياة، وسلاح الغلبة. الصليب هو مدرسة المحبة، وقانون الحرية، ورجاء المؤمنين.
إذًا، على المسيحي أن يحمل الصليب ويتبع المسيح، لأن هذا هو طريق التلامذة وطريق كل المصلوبين في العالم وقد صاروا أكثر بكثير من الصالبين الذين يمسكون بأمور البلاد والعباد. نحن أي هذه الأكثرية لا يمكن أن تكون مع المسيح إلا إذا كانت مثل المسيح. ولا يمكن أن تدخل معه في مجده إلا إذا دخلت معه في صلبه. كما لا يمكن أن ترث معه الملكوت إلا إذا تشاركت معه في آلامه.”
وتابع سيادته” الإنسان يواجه في حياته العديد من المشاكل والمرض والألم والفشل، وهذه هي جزء من طبيعة الحياة البشرية. قد يشعر الإنسان بالحزن واليأس والضعف أمام هذه التحديات، وقد يسأل نفسه: لماذا أنا؟ لماذا يحدث هذا لي؟ ما هو معنى كل هذا؟
هذه الأسئلة تدل على أن الإنسان يبحث عن معنى لمعاناته، ويريد أن يجد غاية أو هدفًا لوجوده. فالإنسان ليس مجرد كائن حي يتفاعل مع بيئته، بل هو كائن روحي يتفكر في مصيره ومسؤوليته. فالإنسان لديه قدرة على التغلب على المعاناة بالإرادة والإيمان والأمل.
في هذا المجال، يمكن أن نستفيد من تجارب الأشخاص الذين عانوا في حياتهم، ولكن استطاعوا أن يحولوا معاناتهم إلى صليب، أي إلى رمز للتضحية والتحرير والتجديد. فالصليب ليس مجرد آلة عذاب، بل هو أداة خلاص. فالصليب يعبر عن المحبة التي تقبل الألم من أجل الخير، والقوة التي تقهر الموت بالحياة.
أحد هؤلاء الأشخاص هو فيكتور فرانكل، وهو طبيب نفسي نمساوي، نجا من محرقة النازية، وخسر زوجته وأبويه وأخته في المعتقلات. كتب فرانكل كتابًا شهيرًا بعنوان “إلى الإنسان بحثًا عن معنى”، حيث شرح كيف استطاع أن يجد معنى لمعاناته في المحرقة، وكيف ساعد ذلك على بقائه حيًا. قال فرانكل: “لا يستطيع الإنسان أن يتجنب المعاناة، لكنه يستطيع أن يختار كيف يتعامل معها، كيف يجد فيها معنى”.
فرانكل اقترح ثلاثة طرق رئيسية لإيجاد المعنى في الحياة:
-خلق شيء جديد أو جسور جديدة مع الآخرين.
-اكتشاف شيء جميل أو شخص محب.
-اتخاذ موقف إيجابي تجاه المعاناة.
فالإنسان يستطيع أن يصير صليبه مشاركة في خلاص العالم، إذا استخدم مواهبه وقدراته لخدمة الآخرين، أو إذا عبر عن حبه وامتنانه لأولئك الذين يحبونه، أو إذا قبل معاناته بصبر وثقة وتسليم، ورأى فيها فرصة للنمو والتطوير.”
واردف المطران ابراهيم ” لكن كيف يمكن للإنسان أن يحمل صليبه بفرح؟ هل هذا ممكن؟ هل هذا معقول؟
الجواب هو نعم، إذا كان الإنسان يؤمن بالله الذي خلقه وأحبه وأراد له الخير. فالإيمان بالله يعطي الإنسان رجاءً لا يخيب، ويمنحه قوةً لا تنضب. فالإنسان المؤمن يعرف أن الله معه في كل ظروفه، وأن الله قادر على أن يحول كل شر إلى خير، وأن الله يعدُّه لحياة أبدية لا تزول.
فالإيمان بالله يجعل الإنسان ينظر إلى صليبه بعيون جديدة، بعيون المسيح الذي حمل صليبه من أجل خلاص البشرية. فالمسيح لم يحمل صليبه بكراهية أو استسلام، بل بحب وإرادة. فالمسيح قال: “لا أحد يأخذ حياتي مني، بل أنا أضعها من نفسي. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها مرة أخرى” (يو 10: 18). فالمسيح حول صليبه إلى عرش مجده، وشجرة حياته، وسلاح غلبته.
فالإنسان المؤمن يستطيع أن يحمل صليبه بفرح، إذا اتبع المسيح في طريقه، وشارك في سروره ومجده. هكذا نحوّل نحن أيضا صليبنا إلى عرش مجدنا وشجرة حياتنا وسلاح غلبتنا. فالإنسان المؤمن لا يخاف من الصليب، بل يقبله بشجاعة وفرح، لأنه يعرف أن الصليب هو مدرسة المحبة، وقانون الحرية، ورجاء المؤمنين.”
وختم ” انتم في منطقة من زحلة هذه المدينة العظيمة، تشاهدون شروق الشمس اكثر من الذين يعيشون في القصور لأن منازلكم تسكنها الكرامة والشرف، وهذه المنازل هي منازل الأغنياء الحقيقيين، وانا لي الشرف ان اكون معكم اليوم، نحمل صليب الرب بفرح ونكرّمه ونحتفل بعيده.
أتمنى لكم ولكاهن رعيتكم قدس الأب طوني الفحل الفاضل والكهنة المشاركين كل الخير وأتمنى لكم عيدا مباركاً لسنين كثيرة!”
وفي نهاية القداس القى كاهن الرعية الأب طوني الفحل كلمة شكر فيها المطران ابراهيم على محبته الأبوية وتحدث عن تاريخ حي الحمّار ودوره في الدفاع عن زحلة، وعن بناء كنيسة القديس اندراوس من قبل المثلث الرحمات المطران اندره حداد بهدف تثبيت الوجود المسيحي في المنطقة. كما تطرق الى قرار مجلس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل بإطلاق اسم المطران اندره حداد على الشارع امام الكنيسة.
وختم الأب الفحل كلمته بمطلبين رفعهما بإسم اهالي الحي وهما ضرورة ان يكون هناك مختار مستقل لمنطقة الحمّار، وان تتمثل المنطقة بعضو في المجلس البلدي، ووضع الطلبين في عهدة المطران ابراهيم لرفعه الى المراجع المختصة.
بعد القداس حمل الشباب الصليب المقدس وانطلقت مسيرة راجلة من ساحة الصليب الى كنيسة القديس اندراوس اختتمت بإشعال النار التي ترمز الى عيد الصليب.