فضل الله محاضراً في المجلس العاشورائي في جبيل: الجميع يعيش الهواجس حول المستقبل ولن يبددها إلا الحوار المباشر
القى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في المجلس العاشورائي الذي يقام في باحة مسجد الإمام علي بن أبي طالب(ع) في جبيل، في حضور فاعليات سياسية ودينية وبلدية وثقافية واجتماعية.
بداية، تحدث القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو مرحبا بحضور سماحته مثمنا هذه المدرسة الفكرية والإنسانية التي تؤمن بالحوار والانفتاح على جميع مكونات هذا الوطن مقدرا الخطوات والتحركات التي يقوم بها العلامة السيد علي فضل الله في سعيه للتقريب بين اللبنانيين جميعا والعمل على إزالة كل ما يمنع من هذا التلاقي وهذه الوحدة.
ثم تحدث سماحة العلامة السيد علي فضل الله قائلا: نلتقي مجددا في هذه الذكرى الأليمة التي نستعيد فيها كل معاني الحزن لنعبر بعاطفتنا اتجاه كل هؤلاء الذين بذلوا الدماء وقدموا التضحيات في سبيل الله والإنسانية من اجل ان تعيش هذه الأمة الكرامة والعزة.
وأضاف سماحته: مسؤوليتا الشرعية والأخلاقية والإيمانية ونحن نحيي عاشوراء ان نسعى لتغيير هذا الواقع واصلاحه من كل ما يعانيه من ترهل وفساد وانحراف حتى نستطيع أن نقدم انموذجا يحتذى به من خلال حملنا لكل الأهداف التي من اجلها كانت ثورة عاشوراء وقدمت كل هذه التضحيات وان تبقى هذه الصورة حاضرة في واقع حياتنا فلا نكتفي بذرف الدموع وارتداء اللباس الأسود وغير ذلك من الأمور رغم أهميتها حتى لا تفقد عاشوراء دورها وتتحول إلى مجرد طقوس وشكليات.
وأشار إلى أن الإمام الحسين(ع) في ثورته على الانحراف والفساد يتمثل تعاليم السيد المسيح(ع) الذي قام بالدعوة إلى اصلاح الواقع الفاسد والمنحرف ووقف في وجه من يريدون استغلال الدين لحساباتهم…
وتابع سماحته: وعندما نتحدث من هذه المدينة التي تمثل عنوانا جامعا للوحدة الوطنية والإسلامية وللقاء الإسلامي المسيحي فإننا على ثقة بان أبناء هذه المدينة ومحيطها سيحرصون على أن يبقى التنوع وهذا التلاقي يظللهم .
واكد سماحته: نحن ومن هذا الموقع الوحدوي نؤكد على التمسك بهذه الصيغة وهذا التعايش وسنبقى نعمل من اجل تقريب المسافات وإزالة كل الالغام التي قد تقف عثرة امام هذا التلاقي بين مختلف مكونات هذا الوطن معتبرا أن الاختلاف لم ولن يشكل لنا عقدة من الاخر بل دافعا للتركيز على القواسم المشتركة التي تجمعنا وتحمي هذا الوطن.
وتابع سماحته: هذه المدينة العريقة في التاريخ منها انطلق الحرف إلى العالم والحرف يرمز إلى العلم والنور وحين تحمل رسالة الدين معاني العلم والنور تصبح الأديان والمذاهب قادرة على التعايش والتلاقي والعيش بسلام ومحبة.
وأشار سماحته إلى أن رسالة هذا المسجد هي مد الجسور مع الاخرين بعيدا عن التقوقع والانغلاق على الذات وفتح كل المنافذ التي تتيح التواصل بين اللبنانيين لنواجه بها ما يطرح من دعوات التقسيم والفدرالة وغير ذلك من دعوات لا تتناسب مع مصلحة هذا الوطن ووحدته وسلمه الأهلي.
وتابع سماحته: ليس هناك من فريق في هذا البلد إلا ويعيش المخاوف والهواجس من المستقبل وقد تكون بعض هذه الهواجس حقيقية وبعضها الاخر مصطنعا وعلى الجميع أن يعرض هواجسه بوضوح وعلنية ليكون الحوار الجاد والقائم على الصراحة مدخلا لمعالجة كل ألوان القلق والخوف من هذا الفريق أو ذاك ونحن بالتأكيد نرى بالإمكان التوصل إلى الكثير من القواسم المشتركة التي تبدد هذه المخاوف والتي نرى ان هناك من يسعى لإثارتها وتضخيمها لغايات لا تأخذ بالاعتبار مصلحة الوطن ومنعته وتطوره …
وأشار سماحته ان هذا الوطن بني واسس على التوافق بين طوائفه ومذاهبه وليس بغلبة فريق أو طائفة وحين يهتز هذا التوافق وتحدث القطيعة بين اللبنانيين بانقطاع الحوار يتحول الوطن إلى ساحة لمشاريع الاخرين ليتلاعبوا بنا حسب مصالحهم وأهدافهم…
وأشار إلى الحل للأزمة هو داخلي بامتياز ولكننا وللأسف ادمنا التدخلات الخارجية لحل خلافاتنا عند كل استحقاق يواجه الوطن حيت ينتظر الجميع كلمة السر التي تجعلهم يأتون إلى بيت الطاعة الخارجي لافتا إلى أن ذلك لا يعني أننا نرفض أي مبادرة خارجية للحل لكننا نرى أن الخارج غالبا لا يتحرك إلا لحساب مصالحه.
وقال سماحته: ومن هنا من جبيل مدينة التعايش والعيش المشترك ندعو كل الأطراف السياسية ان لا تتأخر للحوار فيما بينها ولن ينجح أي حوار إلا عندما يقدم الجميع التنازلات لا لأجل هذا أو ذاك بل من اجل انقاذ هذا الوطن الذي انهارت جميع مؤسساته وفرغت خزينته بفعل هذه الانانية المشتشرية والتي ادمنت الصراعات والمناكفات للحصول على حصص هنا وهناك فيما المستقبل ينادي الجميع ارحموا هذا الشعب وهذا الوطن.
وأخيرا حذر سماحته من تنامي التيارات العنصرية والالحادية في العالم ومن مخطط لإشعال حرب دينية تعزز مواقع كل هؤلاء الذين لا يريدون للأديان التي تدعو إلى السلام والعدالة في هذا العالم أن تتلاقى وتتعايش لذا ندعو الجميع الى التنبه والحذر لما يحاك ونأمل أن تكون ردود الفعل على الاساءات المتكررة لكتاب الله القرآن مدروسة وحكيمة بما يسمح بإجهاض كل المحاولات الخبيثة لتشويه صورة الأديان مؤكدا أن السيد المسيح(ع) الذي عاش قيم السماء بأبهى صورها بريء من هذا العمل المشين ومن كل الاعمال المماثلة…