الأمن الغذائي في رؤية التحديث الاقتصادي بقلم د . محمد أبو حمور
في إطار المتابعة المستمرة لسير العمل في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وخلال الاجتماع الذي عقد لهذه الغاية مع ممثلي قطاع الصناعات الغذائية أكد جلالة الملك حفظه الله ضرورة تكثيف الجهود وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وحث على الإسراع في إقرار النظام الخاص للمجلس الأعلى للأمن الغذائي نظراً لدوره الهام في تنفيذ الاستراتيجية مع مراعاة توضيح وتحديد المهام المناطة بالجهات المختلفة ومؤشرات الأداء التي تتيح تقييم ما تم إنجازه من أعمال.
ويشار بهذا الخصوص الى أن رؤية التحديث الاقتصادي تضمنت عدداً من المقترحات والمبادرات الهادفة الى إيجاد المؤسسية الضامنة لتحقيق الامن الغذائي بما في ذلك تأسيس مركز وطني للأبحاث وجهة متخصصة بالأمن الغذائي ونظام رقمي للبيانات الغذائية ومراجعة السياسات ذات الصلة بالقطاع الزراعي وتشجيع الابتكار والتحديث ودعم مشاريع الاستثمار والتقنيات الزراعية، والسعي الى تحويل الأردن لمركز إقليمي للإنتاج الزراعي مع ضمان استدامة الأمن الغذائي لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية، وكذلك العمل على تحسين القيمة الغذائية المضافة للقطاع بتطوير البنية التحتية لسلاسل التوريد، وتحسين التسويق للصادرات الزراعية، وتقليل الفاقد الزراعي والغذائي والنهوض بالصناعات الغذائية.
حظي الاهتمام بالأمن الغذائي خلال السنوات الأخيرة بأهمية غير مسبوقة وأصبح يمثل جانباً أساسياً من الامن الوطني خاصة في ظل التداعيات الناجمة عن وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، التي استطاع الأردن تجنب الكثير من تداعياتها بفضل احتفاظه بمخزون استراتيجي ملائم، كما أن الامن الغذائي له العديد من الاثار والابعاد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وهذا ما أدى الى تكثيف الجهود الهادفة الى تأمين سلاسل الامداد وبناء الروابط التكاملية بين القطاعات المختلفة مثل قطاع الزراعة والمياه والطاقة والصناعات الغذائية بهدف تحقيق الامن الغذائي بأبعاده المختلفة بما فيها توفر الغذاء كماً ونوعاً، وقدرة المستهلك على الحصول عليه بأسعار ملائمة، ونوعية الغذاء التي تلبي الاحتياجات مع صلاحيتها للاستهلاك، والاستقرار في سلاسل الامداد وديمومة التوفر في مختلف الأوقات والظروف.
ومن الواضح أن تحقيق هذه الابعاد مجتمعة تتطلب سياسات وإجراءات محلية وأخرى يتم من خلالها التعاون مع العالم الخارجي بما يحقق المصلحة الوطنية ويؤمن المتطلبات المعيشية للمواطنين.
تحقيق الامن الغذائي ليست مهمة سهلة نظراً لارتباطها وتفاعلها مع مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ولكنها ضرورة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وهي أيضاً مجال رحب لتوليد فرص العمل المستدامة التي تساهم في مكافحة الفقر والبطالة، لذلك نستطيع القول ان السعي لتحقيق هذا الهدف يتطلب تعاضد مختلف الفئات الاجتماعية للتوعية بأهمية الحفاظ على الغذاء وعدم هدره، هذا من جانب ومن جانب اخر لا بد أن يتكرس ذلك عبر السياسات الاقتصادية والتجارية للدولة، ليتم بناء منظومة متكاملة للأمن الغذائي تتصف بالتنافسية والقدرة على توفير المتطلبات الضرورية ومجابهة التحديات المختلفة، فمثلاً القطاع الزراعي والذي يعتبر من أهم المجالات المرتبطة بتوفير الغذاء لا بد أن يولى عناية خاصة تضمن قدرته على اقامة مشاريع استثمارية مجدية وذات قيمة مضافة عالية مع استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية والاستفادة من الأبحاث العلمية لتطوير الزراعات المختلفة بما فيها تلك التي تستطيع التكيف مع التغيرات المناخية مع إمكانية المنافسة في الأسواق الخارجية.
كما يشكل موضوع التمويل أحد المرتكزات الأساسية التي تدعم مختلف القطاعات المرتبطة بالأمن الغذائي ما يعني توفر التمويل الملائم لإقامة المشاريع والاستثمارات ذات العلاقة، وفي هذا الاطار من المناسب النظر في السياسات والإجراءات التي تعتمدها الجهات المعنية بتمويل هذه القطاعات وكذلك تلك الناظمة للعمل التعاوني بمختلف أشكاله بما فيها تسويق المنتجات الغذائية.
وللمساعدة على توفير متطلبات الامن الغذائي وضمان قدرة السلع الزراعية والغذائية المحلية على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية لا بد من مراجعة الهيكل الضريبي على مدخلات الإنتاج الزراعي والغذائي والقيود والإجراءات المتعلقة باستيراد أو تصدير هذه المنتجات والتأكد من تجنب ما قد ينجم عن ذلك من اثار سلبية، وفي نفس الوقت فان شبكة الحماية الاجتماعية التي توفرها الحكومة للفئات المحتاجة أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات التطوعية لا بد أن تولي موضوع توفير الغذاء الملائم لهذه الشريحة اهتمامها الأساسي أضافة الى تشجيع المبادرات المجتمعية والمشاريع الصغيرة والمنزلية التي تتيح لهذه الفئات توفير متطلباتها الحياتية والغذائية ضمن الأطر الاجتماعية والبيئية المناسبة.
الأمن الغذائي وتداعياته المختلفة تستوجب العمل بكل جدية لتوفير المتطلبات وإزالة المعيقات التي تواجه الجهود المبذولة لهذه الغاية وخاصة ما يتعلق بتخفيض تكاليف الإنتاج مثل الطاقة والمياه وتشجيع الاستثمارات في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية وتكثيف استخدام التكنولوجيا والاستفادة من الأبحاث العلمية التي تحسن المنتجات وتنهض بجودتها.