تقدير استراتيجي لمركز الزيتونة يدرس احتمالات قيام الاحتلال الإسرائيلي بعملية اجتياح واسعة في الضفة الغربية
دفع تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، خلال النصف الأول من 2023، إلى صدور دعوات إسرائيلية متلاحقة، لتنفيذ عملية عسكرية واسعة، في محاولة لوقف تمدّد المقاومة.
فبعد واحد وعشرين عاماً من انتهاء عملية السور الواقي (2002)، تزايدت الدعوات الإسرائيلية لتنفيذ نسخة جديدة منها لمواجهة موجة العمليات المتصاعدة في الضفة الغربية منذ شباط/ فبراير 2022، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى الإسرائيليين، مما أسهم في تبدّد الردع الإسرائيلي، بالرغم من عدم وضوح الرؤية الإسرائيلية لطبيعة العملية المتوقعة، في ضوء تباين المواقف العسكرية والأمنية والسياسية، ووجود جملة من المحاذير التي تحول دون إخراج العملية الى حيز التنفيذ على الأرض.
وقد أصدر مركز الزيتونة تقديره الاستراتيجي 134 الذي يحاول استقراء المواقف الإسرائيلية تجاه العملية العسكرية المزمع تنفيذها، من خلال تسليط الضوء على أسبابها ودوافعها، التي كان من أبرزها ارتفاع أعداد القتلى الإسرائيليين بصورة غير مسبوقة منذ سنوات عديدة، والتطور اللافت في أساليب عمل المقاومة؛ مع إبراز كوابحها التي قد تحول دون تنفيذها، مثل عدم وجود قناعة حقيقية بأن مثل هذه العملية كفيلة بوقف تمدد المقاومة في الضفة، لا سيّما لدى الأوساط العسكرية والأمنية، والتخوف الإسرائيلي من ازدياد الخسائر البشرية في صفوف الجنود والمستوطنين.
وأظهر التقدير أهم المواقف الإسرائيلية من هذه العملية، لا سيّما التي تمثل المؤسسات ذات العلاقة: الأمن والجيش والحكومة، واستعرض جملة من السيناريوهات المتوقعة لشكل وطبيعة وحجم وعمق هذه العملية؛ حيث تراوحت المطالبات الإسرائيلية المرفوعة لحكومة اليمين وجيش الاحتلال بأن يكون شكل العملية القادمة واحداً من عدة سيناريوهات محتملة، أولها أن تكون نموذجاً مكرراً لعملية “السور الواقي” حيث تشمل إعادة اجتياح كامل للضفة الغربية، وثانيها تركيز العملية المزمعة في شمال الضفة الغربية فقط، وتحديداً في مدينتَي جنين ونابلس اللتان تشكلان البؤرة الحقيقية للمقاومة، وثالثها العمل بالصورة الحالية ذاتها من خلال عملية “كاسر الأمواج” التي يجري تنفيذها منذ آذار/ مارس 2022، مع استعادة سياسة الاغتيالات عبر الجوّ في إشارة لا تخطئها العين عن خروج بعض مناطق الضفة الغربية عن سيطرة الاحتلال. غير أنه من المرجح أن يميل الاحتلال الإسرائيلي إلى المزج بين ما سبق، ولكن دون توفر ضمانة إسرائيلية بأن تنجح محاولاته في وقف المقاومة. لكن ذلك يستدعي في الوقت نفسه المزيد من العمل الجاد على حماية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان، وأن تعبئ قوى المقاومة إمكاناتها في مواجهة الاحتلال، وإفشال مخططاته.
واختتم التقدير بتقديم التوصيات اللازمة، حيث شدد أن على المعنيين بالشأن الفلسطيني الاستعداد للسيناريو الأسوأ، حتى لو كان مستبعداً، فالمتغيرات الإسرائيلية الداخلية وتصاعد المقاومة كفيلة بقلب الأمور رأساً على عقب. وحذّر من قيام الاحتلال بإعادة العمل بالاغتيالات عبر الجوّ، ونبه إلى عدم حصر المقاومة في مناطق مكشوفة، وزيادة العمل السياسي والديبلوماسي الفلسطيني الذي يفضح مخططات الاحتلال الاستيطانية، ويكشف عن توجهات الحكومة اليمينية التي تستغل عمليات المقاومة للمسارعة في تغيير الوقائع على الأرض على حساب الحق الفلسطيني. كما طالب بتفعيل الحماية للفلسطينيين الذين يتعرضون لجرائم المستوطنين، ومطالبة السلطة الفلسطينية وكذلك القوى والمؤسسات الدولية القيام بواجباتها.