توسع مجموعة بريكس والتداعيات الاقتصادية
توسع مجموعة بريكس والتداعيات الاقتصادية
عقد وزراء خارجية مجموعة بريكس اجتماعا أوائل شهر حزيران الحالي في جنوب افريقيا لغايات التحضير لقمة المجموعة التي ستعقد خلال شهر اب القادم، وشهد هذا الاجتماع مشاركة وزراء ومسؤولين من دول أخرى تبدي اهتماما متزايداً بالانضمام الى هذه المجموعة، ويشير ذلك الى سعي متواصل لتقدم مجموعة بريكس نفسها كقوة اقتصادية تحظى بأهمية عالمية، وتشير بعض الإحصاءات الى أن مجموعة بريكس التي تتألف من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا استطاعت أن ترفع نسبة مساهمتها في اجمالي الناتج العالمي الى أكثر من 31% ، وهذا يعني تخطي مساهمة مجموعة الدول السبعة الأكثر تقدماً، ناهيك أن أجمالي عدد القاطنين في الدول المنضوية في تحالف بريكس يشكل نحو 42% من سكان العالم، كما أن مساحة هذه الدول مجتمعة تزيد عن 26% من مساحة الأراضي في العالم، ووفقاً لتوقعات المؤسسات المالية الدولية سيشكل النمو الاقتصادي في الهند والصين قاطرة القيادة لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي، وهذا يفسر تقديم ثلاث عشرة دولة طلب الانضمام لهذه المجموعة التي اكتسبت مكانة مهمة في العالم ، واهتمام دول أخرى بتوثيق علاقاتها معها.
هناك رغبة واضحة من مجموعة بريكس لقبول أعضاء جدد الا أن هناك وعي بضرورة التقدم في هذا الاتجاه بحذر ووضع اطار مناسب للحفاظ على التماسك الذي تتصف به المجموعة، وهذا يستدعي توفر مبادئ عامة يتم على أساسها النظر في طلبات الانضمام للمجموعة، وتشير الملامح الأولية الى رغبة دول المجموعة بضم اقتصادات تتمتع بميزات تعزز دور المجموعة وتساهم في زيادة فاعليتها وتأثيرها خاصة في مجال التنافس مع المؤسسات التمويلية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ويذكر بهذا الخصوص أن المجموعة قامت بتأسيس بنك التنمية الجديد أو بنك بريكس وهناك اتصالات جادة مع المملكة العربية السعودية للانضمام لهذا البنك وقد يتزامن ذلك مع انضمام المملكة للمجموعة، وفي حال حصل ذلك سيشكل علامة فارقة ودفعة جديدة تمكن مجموعة بريكس من لعب دور محوري فيما يتعلق بتقديم التمويل وتعزيز الاستثمارات على المستوى العالمي، مما يساهم في تنفيذ شعار الاجتماع الأخير والذي جاء تحت عنوان: ” الشراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، ويحقق الرغبة في أن يصبح بنك بريكس أقوى أداة بديلة للتمويل، وفي غضون ذلك لا بد من الحرص على أن تحقق التغييرات طموح الاستجابة للمصالح المشتركة وتحقيق الازدهار للجميع، ضمن اطار مؤسسي قادر على استيعاب المتغيرات والتعامل معها بكفاءة، وتشير التوقعات الى أن اجتماع القمة القادم سوف يحسم هذه المسألة بحيث يتم التوافق على معايير وإجراءات توسيع المجموعة ومؤهلات الدول التي ستقبل عضويتها وادوارها المستقبلية.
تقوم مجموعة بريكس بتنفيذ عدة خطوات تهدف من خلالها الى تقليص الهيمنة الغربية على التعاملات التجارية والنقدية وتحاول أن تنشأ مؤسسات وأنظمة بديلة أو موازية لتحقيق مصالحها، فإضاقة لبنك التنمية الجديد الذي يسعى الى تمويل المزيد من المشاريع بالعملات الوطنية وبما يساهم في تقليص مخاطر سعر الصرف ويعزز الأسواق المحلية مما يساهم في الجهود التنموية وانشاء البنى التحتية، هناك أيضاً جهود لإنشاء نظام دفع مستقل يساهم في الانتقال الى التسويات بالعملات الوطنية ويقلص هيمنة الدولار ويحمى الدول من العقوبات التي قد تفرض عليها مستقبلاً، وتؤكد دول بريكس دعمها لنظام تجاري متعدد الأطراف يضمن تكافؤ الفرص ويتجنب الإجراءات أحادية الجانب، مع استخدام العملات الوطنية في عمليات الاستيراد والتصدير، وهناك نية لإنشاء منظمة تصنيف مستقلة للدول المنضوية في مجموعة بريكس.
الدول التي تسعى للانضمام او التعاون مع منظمة بريكس تهدف الى توسيع خياراتها التصديرية والتمويلية والاستفادة من شراكات لا تقترن بإملاءات سياسية مع الاستفادة من تغير المعطيات الاقتصادية التي يشهدها عالم اليوم مما يتيح مجالاً أوسع لاختيار البدائل المناسبة، ولا شك بان تعاظم الدور الذي تقوم به الدول الساعية الى تنويع خياراتها سيؤدي الى مزيد من الحوكمة الرشيدة للاقتصاد العالمي ويوفر ظروفاً أنسب لتنمية الموارد البشرية والاقتصادية، وهذا لا يعني التخلي عن الشراكات الاستراتيجية بل هو مدخل لتنويع الخيارات وتعزيز استقلال القرار الاقتصادي.
بقلم الوزير. الأسبق د. محمد أبو حمور