تقدير استراتيجي لمركز الزيتونة يرجَّح لجوء النقابات في الضفة الغربية إلى نضالات نقابية موحّدة يتوازى فيها المطلبي الحقوقي مع الإصلاحي
في ضوء تجدد الحراكات النقابية في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري، وإصرار النقابات على تحقيق مطالبها، وظهور تصميم السلطة على جعل الاستجابة للمطالب في حدودها الدنيا، وذلك لأنها تعتقد أن تلبية مطالب النقابات يحتاج إلى تغيير أولوياتها في الإنفاق، وهي غير راغبة في ذلك، وبعد أن أصبحت الحراكات النقابية مع الوقت أكثر استعصاءً على الاحتواء، ودخول الرصاص المجهول إلى الميدان، وتوجيهه لتحذير قيادات العمل النقابي، أصدر مركز الزيتونة تقديره الاستراتيجي 131 تحت عنوان: “مستقبل العمل النقابي في الضفة الغربية بين الانكفاء وقيادة الإصلاح السياسي”.
ويدرس التقدير مدى تأثير التطورات الأخيرة على مسار تفاعل العلاقات بين النقابات وبين الحكومة؛ ويقدِّم محورَين: يشخّص الأول المشكلة عبر عرض حالة العمل النقابي في الضفة الغربية في الربع الأول من سنة 2023، أما الثاني فيحدِّد السيناريوهات المـُحتملة.
وقد خلص التقدير إلى أربعة سيناريوهات محتملة؛ يتمثَّل الأول في احتمال تراجع النقابيين أمام الضغوط، لكن هذا احتمال غير أكيد لأن شرائح المهنيين لم تعُد قادرة على احتمال الأعباء الاقتصادية. أما السيناريو الثاني؛ فهو تشكيل قيادة موحّدة للإضرابات، وهذا أمر ممكن خصوصاً أن نجاح الإضرابات خلال سنة 2023 كان بسبب تضامن النقابات مع بعضها، والسيناريو الثالث؛ فهو ظهور قيادة نقابية سرّية توجِّه الحراكات، وقد سار المعلِّمون في هذا الاتجاه، ويُحتمل أن يلحق بهم آخرون إن نجح حراك المعلِّمين، أما السيناريو الرابع، فيتمثل في انتقال النقابات من النضال المطلَبي إلى النضال من أجل الإصلاح السياسي، وفُرص هذا السيناريو قائمة.
ورجَّح التقدير لجوء النقابات إلى نضالات نقابية موحّدة يتوازى فيها المطلبي الحقوقي مع الإصلاحي، وإن كانت الأولوية ستكون للمطلبي الحقوقي في المدى القريب، وإن تعثّرت عملية نيل الحقوق فقد يُفرز الواقع قيادات نقابية سرّية إلى جانب العلنية تنقل النضال النقابي المطلبي بالتدريج نحو النضال الإصلاحي.
وأوصى التقدير الحكومة بتحقيق مطالب النقابيين، لتجنُّب التصدعات والاحتقانات الداخلية، وذلك من خلال إنهاء العقوبات التي فرضتها على النقابيين، والعمل على إتخاذ إجراءات جادة في تغيير أولويات الإنفاق، بحيث تسمح الميزانية برفع رواتب قطاعات المهنيين، وخصوصاً المعلِّمين. وأوصى التقدير الحكومة أيضاً بإنهاء حالة احتكار اتحاد المعلِّمين لتمثيل المعلِّمين بطريقة غير ديموقراطية، وفتح المجال أمام تنسيب المعلِّمين في عضوية الاتحاد، وتسهيل إجراء انتخابات حقيقية لقيادته.
كما أوصى التقدير الفصائل بأن تكون رافعة للحراك النقابي، لا عبئاً عليه، وذلك من خلال عدم تسييس هذه الحراكات في المرحلة الراهنة، وقطع الطريق على السلطة التي تحاول استخدام “التسييس” ضدّ هذه الحراكات، والسعي لتقديم كل الإسناد المطلوب لإنجاح الحراكات على الصعيد الإعلامي والجماهيري. وأوصى التقدير بعض الفصائل بالتخلِّي عن لعب دور الوسيط بين النقابات والسلطة، وأن يتركَّز دورها في إسناد الحراكات النقابية.
أما على مستوى النقابات، فجاءت توصية التقدير لها بأن تُدرك أن نضالها من أجل تحقيق العدالة لقطاعات المهنيين طويل وشاق، ويتطلَّب جسارة وحكمة، وأوصاها بفتح حوار مستمر بين مجالسها مع بعضها، وبين الكتل النقابية في مختلف النقابات مع بعضها. كما أوصى مجالس النقابات بأن تَحْذَر من سياسات الاحتواء والإجهاض وتفتيت الصفوف، وإمكانية سعي السلطة لقلب الرأي العام ضدّ الحراكات النقابية. وأوصاها بوضع الجماهير في صورة المشاكل والحراكات والمطالب بشكل مستمر، حتى يبقى الجمهور داعماً للحراكات النقابية.