فضل الله في أسبوع الحاج محمد حسين شمس في جلالا في البقاع: انجاز الاستحقاقات ضروري لكن لا حل من دون تغيير العقلية السائدة
أحيت بلدة جلالا البقاعية ذكرى أسبوع المرحوم الحاج محمد حسين شمس باحتفال حاشد أقامته في حسينية الإمام الحسين(ع) بحضور شخصيات دينية ووزارية ونيابية واجتماعية وعسكرية وثقافية وبلدية واختيارية واقتصادية وعشائرية ووفود من مختلف المناطق البقاعية غصت بهم قاعة الحسينية والباحات الخارجية لها.
والقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة قال فيها: رغم الحزن الذي نشعر به عندما نفتقد إنساناً عزيزاً كان له دوره وموقعه في خدمة مجتمعه تاركا بصماته وأثره الطيب إلا أننا رغم كل هذا الحزن والأسى فلا بد من أن نؤسس على هذا التراث، تراث الخير ونعمقه ونبني عليه ليستمر عطاؤه بعد غيابه كما كان في حياته، ليخفف من آثار الضغوط التي يعيشها شعبنا، ويتزود من ثمار عطائه بما يحصن واقعنا ويسد الكثر من الثغر.
وأضاف سماحته: عندما نستذكر هؤلاء الذين كانوا معنا وما قدموه وما قاموا به فإن من الطبيعي أن نحمل كل التقدير والشكر لروح الخير والإخلاص والمحبة التي كانوا يحيون بها، وهي التي صنعت كل هذه الأعمال الصالحة ولاسيما هذا السعي الدؤوب للإصلاح والتقريب للمسافات بين الناس وحل النزاعات والخلافات في المجتمع.
ولفت سماحته إلى أن من حقنا أن نعيش القلق حين نفتقد الكثير من معاني الخير والطيبة والمحبة مع غياب مثل هذه الشخصيات ومسؤوليتنا ان نثبت كل هذه القيم الإنسانية في الوسط الاجتماعي وفي كل ساحاتنا وعلاقاتنا حتى تكون هي الحاكمة لمواقفنا وسلوكنا، وبذلك تبقى حية في واقعنا تشع بالخير وتملأ الحياة بكل ما تحتاجه لتكون أفضل، تماماً كما تفعله الينابيع حين تمنح الأرض الخصوبة والاخضرار والنمو لنعيش الرخاء والطمأنينة.
وتابع سماحته: لا بد في مثل هذه المناسبات، من أن يقف كل منا مع نفسه، ليقوم بمراجعة ذاتية عما فعل في حياته، وعما سيفعل ولاسيما نحن الذين لا يزال لدينا بقية من العمر، ويتساءل ماذا سيتحدث الناس عنا عندما نرحل عن هذه الحياة هل سيتحدثون عما امتلكناه من أموال، او مواقع، ام عما تركناه من اثر جميل انعكس خيراً على حياة الناس سواء في ما خففناه من معاناة، او ما زرعناه من محبة زادت من التواصل بين الناس وعززت روابط الخير بينهم، أو ما اطلقناه من مواقف ، هل هي ساهمت في فتن او أدت إلى الإصلاح، وهل عندما أيدنا أو عارضنا هذا الفريق او ذاك كنا ننطلق من حجة ودليل أم كانت تحكمنا الحسابات الخاصة والمنافع الذاتية.
ونبه سماحته إلى أن كل مسؤول في هذا الوطن، وفي كل موقع كان، صغيراً أم كبيراً سيقف أمام محكمة التاريخ ومحكمة الله، ويُسأل عن هذا الوطن الذي عشنا فيه كيف تركناه هل تركناه عزيزاً حراً له قواعد ثابتة ومتينة او شرعنا أبوابه لكي ينفذ منها الاخرون ويتلاعبون بصيره ويملكون قراره من دون ان نضع السدود التي تساعده على مواجهة العواصف والتحديات.
وحض سماحته على ضرورة سد الثغر ومعالجة نقاط الضعف التي تتسلل منها القوى الخارجية المعادية للعبث بهذا الوطن وفرض مصالحها والتي تتخذ مظاهر كثيرة، من سوء الإدارة والتفريط بالمال العام وإدمان المحاصصات والعيش على استنفار المشاعر المذهبية والطائفية وتعميق الانقسامات، مشدداً على أن هذه المسائل هي التي يجب أن تعالج ما يتطلب ان لا تكتفي بتحميل الخارج المسؤولية عن كل مشكلاتنا وهو بالطبع له نصيب غير قليل منها…
وأوضح سماحته: يقول الذين يمثلون الناس في هذا الوطن إنهم يمثلونهم على أساس الطوائف والمذاهب، ولكن هل يتحرك هؤلاء الممثلين من وحي تعاليم هذه الأديان وهل تحكمهم قيمها ورسالتها، وهل نحن في سياساتنا ومواقفنا نعبر عن تعاليم السيد المسيح (ع) والنبي محمد(ع) وأهل البيت (ع)….
وشدد سماحته على انه ليس من الدقة التفكير بأن الواقع الذي نعيشه يمكن لنا أن نغيره بانتخاب رئيس جمهورية جديد أو بتعيين رئيس حكومة جديد او بانتخاب مجلس نيابي جديد وحتى بتغيير للقوانين أو ابتداع صيغة جديدة فلا تغيير حقيقي إلا بتغيير العقلية التي تحكم واقعنا، وإلا سوف نلتف على كل الصيغ والقوانين لتعطيلها ، لا تغيير إلا عندما نعيد الاعتبار لمفهوم المسؤولية ونتصرف كرجال دولة يعملون لتدبير شؤونها وفق القواعد الإدارية العقلانية ومعايير المصالح العامة، لا كما يحدث ويتم التعامل مع الدولة كمواقع سلطة ونفوذ وغنائم ،كما أن لا تغيير إلا عندما نفكر بحجم هذا الوطن لا بحجم طائفة أو مذهب أو جماعة أو أي إطار ضيق.
وأردف سماحته: لقد آن الأوان وبعد هذا الخراب الذي صنعناه بأيدينا وأدى إلى هذه المعاناة الإنسانية الشديدة، أن يعود الذين يديرون الواقع السياسي إلى ضمائرهم وإلى إنسانيتهم، ليفكروا بهذا الإنسان التائه ما بين البحث عن لقمة العيش أو اللجوء إلى الانتحار او الفرار من هذا البلد رغم كل ما يعترض ذلك من مخاطر…
وشدد سماحته على أن هذه المعاناة الذي يجب أن تدفع الجميع لتصحيح المسار العام المسار الفردي والاجتماعي والسياسي لبلسمة الجراح التي تمتد إلى كل مساحات الوطن ونتعاون معاً لإنقاذه، وإلا فلن نستطيع مواجهة العواصف التي نتعرض لها وعندها سيغرق مركب الوطن بالجميع ولن ينجو أي فريق او طائفة.
وحث سماحته كل المهتمين بقضايا الإيمان والدين أن لا يكونوا متفرجين أو صامتين أمام هذا التقاسم والنهب لموارد البلد أو يقفوا حائلا دون محاسبة الناهبين أو الفاسدين عبر تأمين الغطاء الطائفي لحمايتهم من دون أن يسأل احد عن موقع الإنسان في هذا البلد وعن حاجاته وتطلعاته…
وطالب سماحته باستعادة الدور الأصيل للأديان، لاسيما في المساجد والكنائس في تركيزها على الكلمة الطيبة التي تزيل الأحقاد والكراهية في النفوس، وتعمل لكي تكون صمام الأمان لمواجهة أي اهتزاز في العلاقات بين اتباع هذه الرسالات لا أن تكون المواقع الدينية هي من يطلق التصريحات والمواقف التي تهز الاستقرار وتشنج العلاقات بين الطوائف.
وألقيت كلمات لكل من مفتي زحلة والبقاع الدكتور الشيخ علي الغزاوي، رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل إبراهيم ممثلا الأرشمندريت نقولا حكيم، وكلمة العائلة القاها الشيخ ايمن شمس