تفقد بنت جبيل ملبياً دعوة اتحاد بلدياتها فضل الله: لقد نجحت هذه المنطقة في تجاوز امتحان الفتنة
زار العلامة السيد علي فضل الله مدينة بنت جبيل الجنوبية تلبية لدعوة من اتحاد بلديات قضاء بنت جبيل بدأها بزيارة مقر الاتحاد، ثم انتقل إلى المسجد الكبير حيث أم الصلاة وبعدها تفقد حديقة الشهداء في بنت جبيل وتابع جولته فزار مستشفى الشهيد صلاح الغندور حيث جال على أقسامها وتفقد مبناها الجديد واطلع من مديرها على أوضاعها، كما زار ملعب مدينة بنت جبيل.
ثم جرى لقاء حاشد في مجمع أهل البيت(ع) بحضور فاعليات دينية وسياسية وحزبية وطبية واجتماعية وتربوية وبلدية واختيارية…
استهل اللقاء بآيات من القرآن الكريم تلاها، كلمة لرئيس الاتحاد السيد رضا عاشور عبر عنها عن شكره لتلبية سماحته لهذه الدعوة شارحاً أهم إنجازات الاتحاد ومشاريعه مؤكداً أن همه خدمة إنسان هذا الوطن والتخفيف من تداعيات الأزمات التي يعانيها.
ثم ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله كلمة عبر في بدايتها عن شكره لأهالي مدينة بنت جبيل وجوارها من القرى ولكل من ساهم في أن نعيش التحرر والكرامة بعدما كاد الوطن كله يختنق بالاحتلال الصهيوني الذي كان جاثماً على صدر هذا الوطن، سيما هذه البقعة العزيزة…
وقال: لقد اكتشف أبناء هذه المنطقة علماء ومفكرين ومجاهدين مبكراً مخاطر الاستعمار والصهيونية ليس على فلسطين فحسب، بل على المنطقة كلها، وخصوصاً على لبنان الذي يراه هذا الكيان نقيضاً له بكيانه وبوحدته رغم تنوع طوائفه ومذاهبه، لذا لم يكن غريباً أن تشهد هذه المنطقة عام 1936 ثورة واسعة ضد قوات الانتداب الفرنسي، لتحاكي الثورة الكبرى التي انطلقت في فلسطين في العام نفسه، ولتمثل منذ ذلك الوقت محطة مهمة لتزويد أهالي فلسطين المقاومين بالقدرات المالية والبشرية وما توافر من سلاح، ثم لتجدد العهد في مرحلة 1948 و1967 وما بعدها حين احتضنت كل الثوار والمجاهدين ، لتكون محطة الانطلاق والعودة من فلسطين وإليها…
وتابع: ورغم تنامي قوة الكيان الصهيوني وتزايد إجرامه قتلاً ودماراً لكل من يقف في مواجهته أو يحتضن مقاوميه، فقد بقيت بنت جبيل التي تمثل عمق هذا الجبل العاملي الأشم ومعها كل جوارها تقف في الخط الأمامي تدفع ضريبة الدفاع عن الأمة يوم عزّ المدافعون عنها، وتحمل هاجس المصير على الوطن بعد تخلي الأقربين والأبعدين عنه، في معاناة امتدت إلى أكثر من نصف قرن، حتى توجت هذا الزمن المديد من الصبر والثبات والتحمل للقيام بدورها الطليعي في المقاومة لحفظ هذا الوطن وحريته وسيادته حتى إنجاز التحرير عام 2000 ومن ثم الصمود الأسطوري الذي عاشته أثناء حرب تموز 2006.
أضاف: لقد صنعت في تلك الأيام المشهودة من تلك الحرب معجزة النصر وحرمت العدو من تحقيق أهدافه في إسقاط هذه المدينة ولو أن أدى ذلك إلى تدميرها وإبادة أهلها، فتحولت إلى رمز لعنفوان الوطن وقوته وحريته، ودفعت جيش العدوان إلى التراجع يجر أذيال الخيبة وتحرمه من صناعة مجد أراده على أنقاض المدينة لتعويض ما ألحقته المقاومة به من هزائم.. وهي الآن تحولت بفضل الله إلى قلعة من قلاع الردع التي تجعل العدو يحسب ألف حساب قبل أن يفكر بأي حرب جديدة.
وأوضح: إن إنجازات التحرير وهذا الصمود المتواصل رغم الظروف القاسية وقلة الإمكانات ما كانت لتتم لو لم تكن هذه المنطقة تحمل في أعماقها الثقافة التي تدعوها أن لا تستسلم للأمر الواقع وإلى أن ترفض الضيم، وأن لا تعطي إعطاء الذليل وتقر إقرار العبيد، وهي الثقافة التي تربت عليها هذه المنطقة، وكان أهلها ينقلونها من جيل إلى جيل، يغذيها في كل مرحلة مداد لا ينقطع من العلماء والفقهاء والآباء والكبار، ودماء سيالة لا تتوقف من الشهداء حفظاً للرسالة وحماية للأرض وعمراناً للبلاد وإصلاحاً للعقول والنفوس…
وشدد على أن أهالي هذه المنطقة لن يبدلوا هذا النهج، سواء كانوا في حالة الضعف أو في حالة القوة.. هكذا كانوا حين عاشوا مختلف ألوان القهر والحرمان والفقر، وتنكرت لهم السلطات على تعاقبها، وهكذا سوف يبقون ولو امتلكوا وسائل القوة، وما أرادوا امتلاكها إلا لحماية الوطن كله لا لغلبة طائفة على طائفة ولا لموقع سياسي على آخر، وما تمسكوا بها إلا حين حين عجز الوطن عن حماية أرضهم وبلادهم، وهم سوف يكونون بها من الزاهدين حين تتوافر للدولة القدرة والمناعة والقوة للدفاع عنهم في مواجهة عدو صهيوني غادر…
وعبر سماحته عن اعتزازه بهذه المنطقة وما أنجبت، وما أنتجت من وحدة بين أبنائها، جعلت الطوائف كلها تتكامل في ما بينها، تستلهم من إيمان علمائها وكبارها إيماناً ومن أخلاقهم أخلاقاً ومن انفتاحهم انفتاحاً، وهل ينسى أبناء المنطقة حكمة البطريرك خريش وانفتاحه، أو كيف كان المسيحيون يتقاضون عند جدنا آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله، وهم بقوا حريصين على إطفاء الفتن والنجاح في امتحانات الوحدة الوطنية والتي كان آخرها قبل أسابيع لمصلحة الوئام والتعايش بين أهلنا هنا من مسلمين ومسيحيين من رميش ودبل وعين دبل وبنت جبيل وعيناثا والطيري وغير ذلك من البلدات.
وحيا سماحته جهود البلديات وما قام به اتحاد بلديات المنطقة رغم قلة الموارد والإمكانات والشخصيات التي ساهمت في إعمار بلداتنا وتثبيت أهلنا في أرضهم لا سيما من هم في المغتربات.
ودعا سماحته الدولة التي تتجاهل تضحيات هذه المنطقة للوفاء لها بحقها كما دعا كل المعنيين هنا من فاعليات رسمية واجتماعية وحزبية وجمعيات أهلية إلى التنسيق لرفع الحيف عن أهلنا موجهاً الشكر إلى كل الذين يسهرون على نهضة هذه المنطقة حتى يكون للتحرير معناه الفعلي وقيمته المعنوية، لأن الكثيرين من أعداء هذا البلد ومن المفسدين، ومنذ التحرير أرادوا إجهاض معناه وقيمته، وما هذه الظروف القياسية التي نعانيها، وفي قدر كبير منها إلا لإسقاط هذا العنفوان وهذا الصمود محذراً من أننا إذا أخفقنا في التنمية قد نفسح في المجال للاحتلال لكي يعود ويتسلل من هذه النافذة أو تلك بعدما أخرجناه من الباب الكبير والواسع.
واختتمت الجولة بمأدبة غذاء أقامها رئيس الاتحاد على شرف سماحته والحضور.