وزير الثقافة خلال حفل تكريم سليم حيدر في بعلبك: لتحريك عجلة العمل بدل إثارة النعرات الطائفية إستجلابا لشعبوية مذمومة
رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أنه “لو كانت الغيرة على البلاد والعباد تهب فعلا في القلوب والضمائر، لبادروا إلى ابتكار المسوغات التي يمكن اللجوء إليها لتحريك عجلة العمل، بدلا من رفع الشعارات التي لا يراد منها إلا استثارة النعرات الطائفية المقيتة استجلاباً لشعبوية مذمومة وسعياً الى إشباع أنانيات”.
جاء ذلك خلال رعايته حفل تكريم الوزير والنائب والشاعر والأديب والقاضي الراحل سليم حيدر، الذي أقامته بلدية بعلبك ، في قاعة جمعية “مركز باسل الأسد الثقافي الاجتماعي” في بعلبك، في حضور حشد من الفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية .
وفي كلمته تحت عنوان: “علم على شارع”، قال الوزير المرتضى: “في الندوة التي أقامتها وزارة الثقافةِ منذ بضعة أشهر في مبنى المكتبة الوطنية في بيروت، عن الشاعر والقاضي والسفير والنائب والوزير سليم حيدر، ألقيت خطابا استعدت فيه قول شاعر أهل البيت دعبل بن علي الخزاعي: “هو البحر من أي النواحي أتيته”، ذلك ليقين يؤمن به جميع دارسي سليم حيدر، مؤدّاه أن هذا الرجل، فيما ارتقى من مناصب وتحمل من مسؤوليات، وفيما أبدع قلمه من دواوين ومؤلفات، هو كالبحر اتساعا وعمقا وغنى كنوز معرفية. أما اليوم فقد جئنا كلنا إلى ههنا لنشهد كيف يلقي البحر موجه على رصيفِ شارع في بعلبك، ويرفع اسمه لوحة خرساء، ناطقة بالاعتزاز وعرفان الجميل”.
وأضاف: “بعلبك ملتقى جميع البحور. إليها انتهت روافد الحضارات التي سال بها التاريخ في هذا الأديمِ المشرقي، اسما عنِ اسم، وزمانا عن زمان. ولعل آخرها هذا السيل من الدم الكريم الذي أريق في سبيل الله فداء عن الوطن والشعب والكرامة في مواجهة محتلي الأرض ومعتلي الفكر من صهاينة وتكفيريين. فالقلعة التي قربنا منحت عزائم المؤمنين المجاهدين، من حجارتِها صلابة ومن ارتفاعها شمما، فانتصروا على الهوان كما انتصرت هي على الأوان: تلكَ آثارنا تدل علينا، فانظروا بعدنا إلى الآثار. أما سليم حيدر نزيل القلوبِ والذكريات، ورائد البعد الإنساني الصافي في الشعر والفلسفة والسياسة والعمل الدبلوماسي والقضائي، فقد أضحى أيضا نزيل المكتبة الوطنية، تطالع الداخل إليها زاوية فيها صورته ومؤلفاته ومخطوطاته، وَقف خيري مشاع لجميع طلاب المعرفة والأكاديميين”.
وتابع: “وما سكناه هناك بمانعة من سكناه هنا، ذلك أن الكلمة الجميلة المبدعة تطوف الأرض كلها من غير أن تغادر مستقرها في الدفاتر وعلى الأفواه. وإنّ من حقه علينا وعلى بعلبك وعلى الوطن أن يرتفع اسمه علما على شارع فيها، اعترافا بتفاخره الدائم بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة وإلى ناسها الذين مثلهم في الندوة البرلمانية خير تمثيل، لا بالخدمات الشخصية التي قد يكون أسداها على قدر المستطاع فحسب، بل بالأداء النيابي والوزاري المتميز، المنصرف أساسا إلى تأمين المصلحة العامة قبل سواها التي تنعكس بالضرورة مصلحة خاصة لكل مواطن، فيما العكس غير صحيح”.
واعتبر أن “ذلك زمان كان التباهي فيه بالعمل والإنجازات، أما اليوم فقد صرنا إلى وقت يتفاخر فيه حطابو الشتاء بعدد العصي التي يضعونها في دواليب العمل الوطني. ولو كانت الغيرة على البلاد والعباد تهب فعلا في قلوبهم وضمائرهم، لبادروا إلى ابتكار المسوغات التي يمكن اللجوء إليها لتحريك عجلة العمل، بدلا من رفع الشعارات التي لا يراد منها إلا استثارة النعرات الطائفية المقيتة استجلاباً لشعبويةٍ مذمومة وسعياً الى إشباع أنانيات، أما الناتج فتجاذب سياسي يُفضي إلى مزيد من القنوط والشلل والتعطيل”.
وأردف: “بالعودة إلى مناسبة اليوم، لا أريد الدخول في مسألة تسمية الشوارع في وطننا، ووجوب إطلاق أسماء الأعلام اللبنانيين عليها وغسلها من دنس أسماء المجرمين المحتلين، فهذا أبسط الإيمان، وسيأتي له يوم أعدكم أنه سيكون قريبا. لكنني من منطلق مسؤوليتي كوزير للثقافة، ألفت عناية السلطات المولجة بالتسميات إلى مسألة في غاية الأهمية، هي أن يكون في كل شارع سمي على اسم كبير من لبنان، لوحة إرشادية صغيرة تتضمن مختصر نبذة عن صاحب الاسم، لتكون أجيالنا الطالعة على بيّنة كافية من شخصيته. فإنه يخشى مع تقادم الأيام أن يرتفع سور من الغربة بينه وبين الجيل الطالع”.
وقال: “يا أهلنا الأُباة في مدينة الشمس، كيفما تقلب قرص الشمس لم يظهر منه سوى نور. هكذا ينبغي أن تكون بعلبك مضيئة على الدوام، كيفما تقلبت بها الحال من اهتمام أو نسيان، تماما كالشمس التي سميت باسمها. إنَّ الصورة التي تظهر عنها في بعض الإعلام كمدينة خارجة على القانون ليست من سجية حارات المدينة ولا ناسها، ولا قلعتها التي جعلت أبناءها على سجيتها صامدين هازئين بالعوادي والأعادي. دوركم جميعا أن تجلو الصورة، أن تنفضوا الغبار عن الحقيقة التي تمثلونها أن تكرموا كباركم فتحفظوا ذكراهم وموروثهم على غرار ما تقومون به اليوم، هكذا تبرزون للعالم كله الوجه البهي الساطع لبعلبك، فبوركتم جميعاً”.
وختم الوزير المرتضى: “سليم حيدر علم على شارع في بعلبك، وعلم على ذروة الإبداع اللبناني، وسوف تسعى وزارة الثقافة قصارى جهدها لأن يكون العلم الذي يستظل به الغد الثقافي العربي. رحم الله سليم حيدر، وأبقى ذكراه، ووفقنا جميعاً لأن ننهل من معينه الغني وموروثه البهي فكراً وسيرة ومسيرة، عاشت بعلبك أبية وعادت متألقة بهية، عشتم وعاش لبنان”.