المرتضى في عيد الإستقلال: جُرِّبَتْ فينا كلُّ وصفاتِ الخضوعِ فخَضَّعْنا الخُضوعَ. لبنان مستعصي على التجويع والتطويعِ والتبعية والتطبيع.
رأى وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى “إن:”الشعب الذي يمتلك ثقافة الحرية، كالشعب اللبناني، لا يمكن أن يهزم في معارك الكرامة والسيادة، ودمه سينتصر حتما على الدبابات والطائرات والقنابل العنقودية وأيضا على المكائد والمؤامرات”.
وقال :”إنها حقيقة تاريخية أثبتتها حدثان الدهر، قديمها والجديد، وهي تلقي علينا واجب الدعوة الدائمة إلى تعميمها على أجيالنا في المدارس والبيوت، في الكتب ووسائل التواصل، في الأعياد والمناسبات، وفي كل طرفة عين ونبضة قلب.
كلام الوزير المرتضى جاء في خلال كلمة له في حفل ثقافي، لمناسبة عيد الاستقلال، أقيم امس في قصر الاونيسكو، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزارء نجيب ميقاتي وبدعوة من الوزير المرتضى ورئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتورة هبة القواس.
وحضر الحفل حشد من الوزارء الحاليين والسابقين والنواب والسفراء العرب والاجانب والبعثات الديبلوماسية ومديرون عامون ونقابات فنية وهيئات ثقافية واجتماعية واعلامية.
المرتضى
استهل الحفل بالنشيد الوطني بأصوات فرقة “كورال الفيحاء”، وكلمة تعريفية للكاتب والاعلامي روني الفا. ثم كلمة للوزير المرتضى قال فيها:
“يأخذنا الاحتفال بعيد الاستقلال إلى المعاني الوطنية التي يجسدها نضال اللبنانيين الطويل وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الحرية والكرامة. وفيه يطيب لنا دائما أن نستذكر ما كابده رجالات الاستقلال من سجن واضطهاد، وما هتف به الشعب الخارج إلى تأييدهم في ساحات بيروت وشوارعها وفي سائر المناطق، من مطالب وحدوية جامعة نادت كلها بإنهاء الانتداب والجلاء وتحقيق الاستقلال الناجز التام”.
أضاف:”تلك حوادث سطرها التاريخ بأحرف من نار ونور، فنعمنا في قراءتها على امتداد ثمانين حولا من غير أن نسأم، لكننا، نسيانا أو تناسيا، نطوي في العيد واحدة من أنبل صفحاته وأكثرها إشراقا وتضحيات، فنجوزها عابرين من غير توقف، هي صفحة شهداء طرابلس، هي حكاية التلاميذ الأربعة عشر الذين خرجوا مع رفاقهم من مدرستهم، كلية التربية والتعليم الإسلامية، في مظاهرة مؤيدة لزعماء الاستقلال، ومطالبة بإنهاء الانتداب، فداستهم الدبابات الفرنسية وسحقتهم بجنازيرها.
إنني، إذ أستعيد هذه الواقعة المطموسة المطوية في خبايا التاريخ، أرمي إلى أمرين: أولهما نقض بعض المقولات التي تروي أن استقلالنا كان نتيجة تقارب أو تضارب في مصالح دول عظمى، وأننا أخذناه عبر مواجهة سياسية عادية، وأننا لم نبذل في سبيله تضحيات باهظة وشهادات ثمينة الدماء. فدم أولئك الأطفال الأربعة عشر كان الثمن الأغلى الذي دفع من أجل الاستقلال فداء للبنان. أما ثاني الأمور التي أود الإضاءة عليها أن خروج الطلاب في طرابلس، بل في الوطن كله حينذاك، كان تعبيرا عفويا عن تجذر ثقافة الحرية والاستقلال في نفوس الناشئة، تجذرا استمر في تجدده جيلا بعد جيل إلى اليوم، كتراث أصيل ننتسب إليه منذ أول الزمان”.
وتابع المرتضى :”الحقيقة التي تعلمنا إياها شهادة أطفال طرابلس أن الاستقلال، والنضال من أجله، والمقاومة في سبيل دحر الإحتلال والذود عن الأرض والثروات، هذه كلها، وقبل أي شيء آخر، مسائل ذات بعد ثقافي قبل أن يكون عسكريا أو سياسيا أو ما شابه. فالشعب الذي يمتلك ثقافة الحرية، كالشعب اللبناني، لا يمكن أن يهزم في معارك الكرامة والسيادة، ودمه سينتصر حتما على الدبابات والطائرات والقنابل العنقودية وأيضا على المكائد والمؤامرات. إنها حقيقة تاريخية أثبتتها حدثان الدهر، قديمها والجديد، وهي تلقي علينا واجب الدعوة الدائمة إلى تعميمها على أجيالنا في المدارس والبيوت، في الكتب ووسائل التواصل، في الأعياد والمناسبات، وفي كل طرفة عين ونبضة قلب.
ولعل الاحتفال الذي نقيمه اليوم في قصر الأونيسكو، مقر وزارة الثقافة، بعيدا عن الاحتفالات الرسمية وما يتخللها من عروض، يؤكد المغزى الثقافي للاستقلال الذي نحييه اليوم بالإجتماع على المحبة والوحدة واستذكار التضحيات والموسيقى والشعر والغناء”.
واردف:”قلت في مناسبة سابقة أن “الأمل قدرنا ونحن لن نتوقف يوما عن صناعة الأمل فهذه الصناعة اختصاصنا فما من شعب عانى مثلنا وما من شعب هزم معاناته مثلنا. ونضيف اليوم: ليس هناك بلد في العالم متمسك بالحياة أكثر من لبنان وهو اذا تركه العالم كل العالم لا يتركه أبناؤه. هذا البلد العزيز المبارك المروي بدماء ذكية يعلنون من هنا ومن هناك موته وانهياره ودماره فيزداد حياة وقوة وصمودا.
وليس صدفة، أن نحتفل بذكرى استقلالنا بالتزامن مع عيد ميلاد أيقونتنا السيدة فيروز التي غنت الحرية حتى أزهرت في قلوبنا ورنمت عشق لبنان فعشقناه حتى الثمالة ورتلت للقدس مدينة المدائن فجعلت عيوننا ترحل اليها كل يوم معلنة أننا سنهزم وجه القوة وأننا سندق على الأبواب وأننا سنفتحها الأبواب وأنه لن يقفل باب مدينتنا وأننا فيها سنصلي.
هذا هو فعل الإستقلال هذا هو فعل الحرية. أن نرفض حكم الأقدار وأن نواجه، وهذا بحد ذاته واجب وطني وشجاعة أخلاقية وعمل ثقافي بإمتياز. لقد اخترنا الطريق الصعبة، طريق ذات الشوكة، عندما تجرأنا على اجتراح فعلي الحرية والتحرير ولم يكن بمستطاعنا الا هذا فلبنان واللبنانيون والحرية إخوة من رحم واحد يتغذيان ويرتويان من رحيق الصمود ومن عبق الشهادة.
وقد جربت فينا كل وصفات الخضوع فخضعنا الخضوع. هذا هو لبنان، هؤلاء أنتم أيها اللبنانيون، مستعصون على التجويع والتطويع والتبعية والتطبيع!”.
وختم المرتضى :”نعم نحن محترفو رجاء واختصاصيو أمل ومبدعو صمود ومستقبل. كل ما علينا فعله هو الترفع عن الشخصانية وعن الأنانيات (في مناسبة الإستحقاق الرئاسي وفي كل مناسبة أخرى)….. كل ما علينا فعله هو الترفع عن الانانيات والإنفتاح على الوحدة وعدم تلويث أفكارنا بمن يحاولون إحباطنا لا سيما أولئك الذين يبشروننا بالفوضى. “الفوضى الخلاقة” وأدناها وذهبت إلى غير رجعة. الراجعون الوحيدون وسط هذا النفق الوطني هم نحن وإياكم. راجعون من ذاتنا المستعصية على الإحباط، الى ذاتنا المتوثبة للتلاقي والتحابب والتعاون وسنستعيد حتما لبناننا، سنستعيد حتما لبناننا الذي لطالما أدهش العالم وعلمه أبجدية الصمود وكرز له بآيات الحضارة والإباء والعزة والحرية”.
القواس
وكانت تحية خاصة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتورة هبة القواس للجمهور الذي جاء من مختلف المناطق اللبنانية .
ثم عزفت الاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية أعمالا اوركسترالية لمؤلفين لبنانيين بقيادة المايسترو غارو افيسيان، وعزف الاوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج رافقها غناء الفنان غسان صليبا.
وتخلل الحفل مشاركة من الشاعرين انطوان سعادة ورودي رحمة.