تفشّي الكوليرا: دليل فشل بُنيوي بيان حول موقف دائرة تعزيز الصحة والصحة المجتمعية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت
لم يشهد لبنان أي حالة من الكوليرا منذ العام 1993. وقد تغيّر ذلك في السادس من تشرين الأول 2022، عندما أعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل حالتين مؤكّدتين مخبرياً من الكوليرا في منطقة الشمال. ومنذ هذا التاريخ، ازدادت أعداد حالات الإصابة والوفيات الناتجة عنها بشكل يدعو للقلق. كذلك بدأت بلدان أخرى في المنطقة العربية تشهد تفشياً للكوليرا. والكوليرا هي عدوى بكتيرية حادة ناتجة عن تناول طعام أو مياه ملوّثة ببكتيريا الكوليرا وتتسبب بإسهالٍ حاد. إن عدوى الكوليرا مرتبطة بشكل كبير بتردّي مرافق الصرف الصحي.
إن استجابة لبنان لتفشي الكوليرا بعيدة كل البعد عن معالجة الأسباب الجذرية للوباء. فقد أطلقت الحكومة نداءً طارئاً لطلب الدعم من المجتمع الدولي لتأمين اللقاحات والأدوية ومعدّات فحص المياه. وبدأ المواطنون اللبنانيون وكذلك اللاجئون والنازحون بتلقي معلومات، من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، حول كيفية غسل الأيدي وكميات الكلور الواجب استخدامها لتطهير خزانات المياه من البكتيريا. مع ذلك، سيبقى أثر هذه التدخلات السلوكية محدودا – هذا إذا لم يكن معدوماً – في الحد من انتشار الوباء، في ظل غياب أية معالجة للأسباب الأساسية الكامنة وراء تفشي الكوليرا، والمتمثّلة بنظام المياه والصرف الصحي القديم والمعطّل وخصخصة المياه.
إن هذا التركيز على الحلول التي تنحصر بالمستوى الفردي، يضع الناس والمجتمعات ذات الموارد المحدودة في موقع المسؤولية لجهة إدارة تفشّي الوباء والحدّ منه بدلاً من الدولة ومؤسساتها والمنظمات الدولية والجمعيات العاملة في قطاع المياه والصرف الصحي. ومنذ سنوات، يحذّر الباحثون من تردّي نوعية المياه في لبنان، خاصة في مراكز اللجوء والنزوح والبؤر التي تعاني من فقر شديد في عدة مناطق. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية وتلاشي التمويل للبرامج الإنسانية تراجعت القدرة على الوصول إلى خدمات المياه النظيفة والصرف الصحي لأعداد كبيرة من السكان، فلم يعد مفاجئاً أن تستفحل المشكلة أكثر وتساهم في خلق أرضاً خصبةً لتفشي الكوليرا.
إن تفشي الكوليرا دليل على أوجه القصور البنيوي. تاريخياً، تعتبر الكوليرا نتيجة لفشل النظم والخدمات. إن هذا النوع من الفشل هو انتهاك لحق الإنسان في المياه الآمنة والظروف الصحية. في 26 تشرين الأول، قام عدد من السكان في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية بالتظاهر اعتراضاً على الشح الكبير في المياه. إن مثل هذه التحرّكات يلقي الضوء على ضرورة تلبية المطالب الملحّة في الوصول إلى مصادر غير ملوثة للمياه في ظل انتشار وباء الكوليرا. لقد حان الوقت أن يعي من هم في مواقع اتخاذ القرار أهمية هذا الأمر.
الابتكار واختراع وسائل عصرية للحد من انتشار الكوليرا ليس ضرورياً. على العكس تماماً، المهم هو التعلّم من التاريخ حيث كان للحراك المتعلّق بمرافق الصرف الصحي تأثير كبير في تحسين الصحة العامة. لهذا يجب العودة إلى الأساسيات. إن حرمان أي مواطن أو لاجئ من المياه النظيفة والبيئة الصحية هو أمر مرفوض. إن الترويج لتغيير السلوك الفردي حول النظافة الشخصية، كإجراء وحيد تعتمده الدولة حتى الآن في مقاربتها بينما ننتظر وصول كمية كافية من اللقاحات، لن يكون فعالاً وسيبقى أثره محدوداً في منع انتقال عدوى الوباء. كذلك، لن تكون هناك إمكانية جدية في الحد من انتشار الوباء، ما لم تعمل الحكومة وصانعي القرار جدياً باتجاه معالجة وإدارة المياه المبتذلة، وتطوير محطات المياه العامة في لبنان.
انطلاقا مما تقدّم، نطالب الحكومة والبلديات ومنظمات الأمم المتحدة بتخصيص طارئ للموارد من أجل صيانة وتصليح وتشغيل محطات تكرير المياه في مختلف المناطق اللبنانية.