عُرسَان وطنيان لفلسطينيي الخارج … أ. د. محسن محمد صالح
بقلم: أ. د. محسن محمد صالح
انعقد يوم السبت والأحد (20–21 أيار/ مايو 2023) الملتقى الوطني الفلسطيني، الذي نظمه المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج في بيروت، بحضور نحو 140 شخصية وطنية فلسطينية قَدِموا من عشرات البلدان خارج فلسطين، وبمشاركة نخبة من أبناء الداخل الفلسطيني، وممثلين عن عدد من الفصائل الفلسطينية.
كما ينعقد يوم السبت (27 أيار/ مايو 2023) مؤتمر فلسطينيي أوروبا في دورته العشرين في مالمو بالسويد، حيث يُتوقع حضور نحو 15-20 ألف مشارك، في أضخم تجمع سنوي منتظم لفلسطينيي أوروبا على مدى الأعوام العشرين الماضية؛ ليؤكد الثوابت الفلسطينية، وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وبيوتهم التي أُخرجوا منها.
الملتقى الوطني:
ناقش الملتقى الوطني على مدى يومين “الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على الثوابت الفلسطينية”، التي وضعها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج بين أيدي المجتمعين. وفي أجواء حضارية من النقاش الجاد المسؤول، شارك العشرات بمداخلاتهم ونقدهم واقتراحاتهم، وتم تحليل عناصر القوة والضعف للوضع الفلسطيني، والتحاور في الرؤية الاستراتيجية الداعية إلى التصدي للاحتلال الصهيوني، وتصعيد المقاومة، وتحقيق شراكات وطنية فعّالة، وتكامل الأدوار بين ساحات الوجود الفلسطيني في الداخل والخارج، بما يُعزّز وحدته، وبما يُمكّنه من حشد طاقاته في معركة التحرير؛ مع السعي لتطوير منظومة علاقات فلسطينية فاعلة عربيا وإسلاميا ودوليا.
وقد دعت الرؤية الاستراتيجية إلى تعزيز قدرات الشعب الفلسطيني وإمكاناته، ودعم مقاومته، وتكريس مركزية القدس، والإصرار على حق العودة، وبناء جبهة داخلية فلسطينية فعالة، وترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها. ودعت إلى الارتقاء بالعمل الفلسطيني في الخارج، وفي الأرض المحتلة 1948، والاهتمام بتحرير الأسرى، وكسر الحصار عن قطاع غزة، والدفع بمزيد من الجهود لعزل الكيان الصهيوني، وتجريم احتلاله ورموزه في الإطار القانوني وفي البيئة الدولية.
هذه الرؤية التي توافَق عليها المجتمعون بعد نقاش مستفيض، وبعد إدخال عدد من التعديلات والتحسينات، تُشكّل أرضية مهمة للعمل الوطني ولاستنهاض الوضع الفلسطيني، كما تشكّل قاعدة التقاء مهمة لكل من يرغب في الانضمام والشراكة لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني.
مؤتمر فلسطينيي أوروبا:
يعدّ هذا المؤتمر أحد أهم وأجمل “الأعراس” الوطنية الفلسطينية في الخارج. وعلى مدى عشرين عاما، تمكن من اجتذاب نحو 10-20 ألف فلسطيني سنويا، يلتقون في يوم واحد وفي مكان واحد من أرجاء أوروبا كافة؛ حيث يجتمع الأجداد والآباء والأحفاد، ويتعاهدون على حبّ فلسطين وعلى العودة إليها، وعلى الالتزام بالثوابت وعدم التنازل عن حقوقهم الكاملة في أرضهم المباركة، كل ذلك في أجواء وطنية جامعة مستوعبة لكل التيارات والشرائح الفلسطينية، مصحوبة بكلمات ومحاضرات ثقافية وبرامج تراثية وأزياء وأهازيج وأطعمة شعبية، في “عرس” وطني بامتياز، قَلّ نظيره عالميا.
اللافت هذا العام، الهجوم الذي قامت به قيادة السلطة والمنظمة وقيادات فتحاوية ضدّ هذا المؤتمر، وهو هجوم غير مبرر، ويفتقد للمصداقية، ومليء بالافتراءات والتضليل؛ فقط لأنه مستقل عنها ولا يعمل تحت وصايتها، مع ملاحظة أن هذا هو أصلا عنصرٌ أساسي في نجاحه.
أصدرت قيادة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إثر اجتماعها في 4 أيار/ مايو 2023 تصريحا رفضت فيه المؤتمر؛ واتهمته زورا بالدعوة للانقسام “والإيحاء بخلق بدائل وهمية ومرفوضة في ظلّ العبث بالوضع الفلسطيني”.
وحذّر روحي فتوح، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني والقيادي الفتحاوي، من مشاركة أي من أعضاء المجلس في المؤتمر، وهدّد بإسقاط عضويته، باعتبار المؤتمر “دعوة مشبوهة وبعيدا عن الشرعية الفلسطينية”!! أما حسين الشيخ، أمين سرّ اللجنة التنفيذية للمنظمة وعضو مركزية فتح (ومسؤول التنسيق مع الاحتلال)، فحذّر من المشاركة في المؤتمر، وادّعى أنه يهدف لضرب وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير، بينما زعم صبري صيدم، أمين سر مركزية فتح، أن مؤتمر فلسطينيي أوروبا يأتي ضمن “المخططات التصفوية لمنظمة التحرير”.
أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأمين جبهة النضال الفلسطينية (المتوافقة مع فتح في برنامجها)، زعم بأن المؤتمر تمرير لأجندات “مشبوهة”، وأنه محاولة “مسمومة” لشقّ الجاليات الفلسطينية؛ بينما صعَّد أنور عبد الهادي، مدير دائرة العلاقات العربية في المنظمة، الهجوم على المؤتمر وأوغل في خياله، لدرجة اتهام المؤتمر بأنه “يخدم أجندات صهيونية، وأنّ الموساد هو من يُموّل المؤتمر”!!
وممن هاجموا المؤتمر فيصل عرنكي، رئيس دائرة شؤون المغتربين في المنظمة، وهو محسوب على الجبهة الديموقراطية، وأسامة القواسمي، رئيس لجنة المغتربين والجاليات في المجلس الوطني، وغيرهم.
لا يتسع هذا المقال المحدود للردّ بالتفصيل على الادعاءات والافتراءات كافة، التي تَفوَّه بها معارضو المؤتمر من قيادات في السلطة والمنظمة وفتح، ولكننا سنحاول وضع بعض النقاط على الحروف فيما يلي:
1- هذا المؤتمر طوال تاريخه “عُرسٌ” وطني جامع لأبناء الشعب الفلسطيني كافة في أوروبا، ولم يحدث أن رفض شرعية منظمة التحرير أو دعا لتشكيل منظمة بديلة، بل كان يشارك فيه سفراء وممثلون للسلطة. غير أن منصاته عبّرت عن النبض الحقيقي للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في ضرورة إصلاح منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها واستيعابها للكُلّ الفلسطيني؛ وهو ما لا يكاد يختلف عليه اثنان. فلماذا حملة التشويه والافتراء من قيادات يُفترض أن تمتلك حدّا أدنى من المصداقية واحترام الذات؟!
2- إذا كان ثمة من أضعف ويضعف منظمة التحرير الفلسطينية، فهي قيادتها الحالية التي تهيمن عليها منذ عشرات السنوات، التي تحت ظلها انهارت مؤسسات المنظمة وفقدت فعاليتها، وتحوّلت المنظمة إلى أداة من أدوات السلطة الفلسطينية، ووُضعت في غرفة الإنعاش لتُستخدم فقط في وضع الأختام على سلوك وإجراءات وقرارات قيادتها؛ وهذه القيادة هي التي تقف حجر عثرة في وجه إصلاح المنظمة، وفي وجه دخول قوى فلسطينية كبيرة وفاعلة في عضويتها، وفي وجه أي انتخابات نزيهة وشفافة للشعب الفلسطيني، وهي التي تتجاهل فلسطينيي الخارج وجالياتهم، ولا تعبأ بهمومهم وتطلعاتهم!!
3- إذا كانت قيادة المنظمة والسلطة حريصة فعلا على العمل الوطني في أوروبا والخارج، فلتتفضل، وتحديدا مسؤولي دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة ودائرة المغتربين في السلطة، بتقديم تقرير عن إنجازاتها في خدمة فلسطينيي الخارج، ونحن نعرف وهم يعرفون مدى البؤس الذي تعاني منه دوائرهم ومؤسساتهم. وثمة تحدٍّ بسيط هو بأن يكشفوا عن ميزانيتهم السنوية لدعم العمل وسط اللاجئين وفلسطينيي الخارج (أكثر من سبعة ملايين فلسطيني)، في مقابل ميزانية مكتب رئيس السلطة مثلا، أو ميزانيات القوى الأمنية المنسقة مع الاحتلال.
4- حذَّر قياديو السلطة والمنظمة وفتح من أجندات مشبوهة ومسمومة للمؤتمر، ومن شقّ الصف الفلسطيني، وضرب المنظمة!! ونحن نتساءل إذا كان هذا المؤتمر الوطني المتمسك بالثوابت، والمدافع عن حق العودة، الذي يضخ الروح الوطنية ويرفع معنويات فلسطينيي أوروبا ويربطهم بالقدس وفلسطين.. له أجندات كهذه!! فهل ما تقوم به قيادات المنظمة والسلطة من تنازل عن معظم فلسطين، وتنسيق أمني مع الاحتلال، ومطاردة للمقاومة وأبطالها، والمشاركة في مؤتمرات العقبة وشرم الشيخ، والاستمتاع ببطاقات “في آي بي” (VIP) التي يوفرها العدو، و”اختطاف” قيادة المنظمة رغما عن إرادة الشعب الفلسطيني، كل ذلك هو مواصفات “العمل الوطني” الذي يريده هؤلاء؟!
5- وإلى أولئك الذين تجرؤوا بالبهتان باتهام المؤتمر بأجندات صهيونية، وبتمويله من الموساد!! نقول لهم: هذا عيبٌ وجهل وإسفاف لا يجوز لأي مسؤول فلسطيني أن يقع فيه، وهو عدم احترام لعقول فلسطينيي أوروبا والفلسطينيين بشكل عام؛ فالكيان الإسرائيلي يطارد المؤتمر ويسعى لتشويهه ومنعه من العمل بكل طاقته، وهو للأسف مع ما يتوافق مع أجندة الناقمين على المؤتمر من قيادات السلطة والمنظمة. والمؤسف حقا أن تدخل السفارة الفلسطينية في السويد إلى جانب السفير الإسرائيلي هناك في الهجوم على المؤتمر.
نقول لهؤلاء الناقمين: إذا كان بيتكم من زجاج، فلا ترموا الناس بالحجارة، وإذا كنتم عاجزين عن العمل أو لا تريدون أن تعملوا، فعليكم أن توسعوا الطريق لمن يرغب بذلك، وعليكم أن تتحلوا على الأقل بـ”الصمت” حيث يرى الجميع بؤس أدائكم.
وأخيرا، نهنئ المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، ومؤتمر فلسطينيي أوروبا على جهودهم وإنجازاتهم، ونتطلع للمزيد في خدمة شعبنا وقضيتنا وأمتنا على طريق التحرير والعودة.