المرتضى مثل بري في تكريم الرئيس كميل شمعون: إنتخاب الرئيس معطل لأن بعض المتيقنين من إنعدام فرصهم يسعون إلى تعطيل فرصة غيرهم ولكن عبثا يحاولون
المرتضى مثل بري في تكريم الرئيس كميل شمعون: إنتخاب الرئيس معطل لأن بعض المتيقنين من إنعدام فرصهم يسعون إلى تعطيل فرصة غيرهم ولكن عبثا يحاولون
اقامت جمعية الليونز الدولية احتفالا تكريميا على مسرح بلدية سن الفيل، في ذكرى الرئيس الراحل كميل شمعون ، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا بوزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى، وبدعوة من حاكم المنطقة 351 الليون بطرس عون.
وألقى المرتضى كلمة بالمناسبة تضمنت موقفا من الإستحقاق الرئاسي ، وقال :”نستنتج من مسيرة الرئيس شمعون أن الاستحقاق الرئاسي ينبغي له أن يتم في مواعيده، فلا تعيقه ثورة كما حدث في أيامه، ولا حرد ولا انتظار حوارات خارجية كما يحدث في أيامنا، ولا تقف حائلا دون إنجازه مصالح شخصية ضيقة تتلطى خلف شعارات براقة العبارات فضفاضة المضامين، لا يبحث مطلقوها إلا عن فرص لأنفسهم هم متيقنون من انعدامها راهنا، فيسعون إلى تعطيل فرصة غيرهم، ولكن، عبثا يحاولون، فليس في قدرة أحد أن يحجب الشمس بأصابع منفرجة. ولهؤلاء أقول: إقرأوا خطاب القسم للرئيس شمعون، ففي محتواه ما لا تزال أجيالنا الجديدة تنادي به، وفي خاتمته تحية للزعيم حميد فرنجية ينبغي لها أن تؤنب اليوم ضمائر كثيرين.”
واضاف:”كلفني دولة الرئيس نبيه بري أن أدلي بكلمة في هذه المناسبة وأولاني ثقة التحدث باسمه، فألقى علي مسؤولية جلى، أرخت بثقلها على عاتق الكلمات، فكان علي أن أنتقي لكلمتي منها ما ارتقى إلى السدة المثلى، معنى ومبنى، ليكون الكلام بالنيابة عن صاحب الرعاية، على مستوى ثقته العالية الغالية. ”
وتابع:”وبعد، في تكريم رجل من أهم صناع التاريخ اللبناني، لا بد للقلم من أن يغط ريشته مليا في محبرة الذاكرة، لا لنبش الماضي بما فيه من رغد وجراح، بل لقراءة حاضر الوطن ومستقبله قراءة ينبغي لها أن تتجدد على الدوام من حيث الرؤية والممارسة السياسيتان، متعظة مما كان، وساعية في سبيل تثبيت قواعد العيش الوطني كأساس للدولة العصرية الجامعة، الحريصة على سيادتها ووئام مواطنيها. وأصلا، هل كان لنا أن نقيم اليوم هذا الاحتفال، لولا أن الرئيس كميل شمعون واحد من أولئك الذين تمددوا على وسع الزمن اللبناني، تاريخا وحاضرا وآتيا، بحيث تكون قراءة تاريخه جزءا من قراءة تاريخ الوطن، وكتابة رجائه الآتي”.
وتابع المرتضى مستعرضا الظروف السائدة ابان استلام الرئيس شمعون لمقاليد الحكم فقال:” النائب الذي آلت إليه مقاليد الجمهورية بعد ثورة شعبية سلمية لم تتخط الأيام الثلاثة، والذي سلم السلطة إلى خلفه في أوج ثورة أخرى مسلحة، عرف كيف يجعل العهد ما بين الثورتين، رخاء وبناء وإنماء، كأنما مدة رئاسته صورة مصغرة عن مسيرة هذا الوطن، الذي تداولته أزمات وانفراجات على مدى تاريخه، فلم ينج منها عقد ولا عهد، وذلك بسبب تركيبته الداخلية الغنية والهشة في آن معا، وبفعل تأثيرات الحدث الأضخم الذي شهده الإقليم في العصر الحديث، أعني احتلال فلسطين، ونشوء الكيان المغتصب، بكامل عدوانيته وعنصريته، وتشريد أهل الأرض في ما حولها من أرض، وفي كل الأرض، والاستعداد الدائم لتوزيع عدوانه على لبنان وسائر الدول العربية أمنيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا”.
وتطرق الى السياسة التي انتهجها الرئيس كميل شمعون كرئيس للجمهورية قائلا:”لكن فتى العروبة الأغر، أراد أن يتدارك الوضع في ذلك الزمن المتفجر بمحاولة نجح فيها ولو مؤقتا، حين وجه اهتمامه إلى التنمية الداخلية من غير أن يغفل بالطبع حسن إدارة السياسة الخارجية في ظل صراع دولي انعكس محليا ثورات وتبدل أنظمة وتأميما وحروبا واسعة. ولعله اعتقد بأن الازدهار الاقتصادي، إذا تحقق، يجعل الوطن بمأمن من اللهيب الذي كانت نيرانه تتصاعد أكثر فأكثر، وبأن المصلحة المشتركة في بناء الحياة الكريمة كفيلة وحدها بشد الأواصر بين أبناء الوطن. هي خطة في إدارة الشأن العام صحيحة بكل حال، وواجبة على كل سلطة، وقد أدت حقيقة إلى ارتفاع مؤشرات النمو على الصعيد الوطني العام طوال العهد الشمعوني، لكنها توقفت عند بوابات الحرمان في المناطق البعيدة عن العاصمة وما حولها، ولا سيما الجنوب الذي ظل غارقا في تهميش متماد، كانت إسرائيل تستغل مآسيه من دون انقطاع، بالانتهاكات اليومية للحدود، وبالاعتداءات المستمرة على الأراضي والبيوت، وبخطف المواطنين الفقراء من منازلهم العارية، من غير أن تنفع اتفاقية الهدنة والتنديدات العربية والدولية في ردع عدوانها”.
وأضاف مفندا آثار النكبة الفلسطينية ونشوء الكيان الاسرائيلي على لبنان:” إنها قصة هذا الوطن الصغير الحامل رغما عنه صليب الدفاع عن قضية فلسطين، لأجل نفسه أولا. فإن آثار الاحتلال وممارساته العدوانية انعكست بشكل مباشر على الكيان اللبناني، لجوءا ومخيمات، واعتداءات ومقاومة، ووجودا فلسطينيا مسلحا كان عاملا من أهم عوامل الحرب الأهلية التي رأى الرئيس شمعون بمعرضها أن سيادة لبنان هي بتحريره من هيمنة الوجود الفلسطيني. رؤية بددتها إسرائيل باجتياحها الكبير واحتلالها العاصمة وارتكابها المجازر التي تلطخ الضمير الإنساني مرة أخرى بسكوته عنها، لولا أن امتشقت البنادق واندلعت المقاومة وتصاعدت إمكانياتها على الصعد كافة، حتى إنجازها التحرير شبه الكامل عام ألفين، وحتى عدوان تموز وما تبعه من تحرير أسرى، مع تأكيد العزم على الوصول إلى التحرير الناجز لسائر الأراضي التي ما زالت محتلة في التلال والمزارع، وبسط السيادة اللبنانية على كل بقعة أرض وقطرة ماء وارتفاع فضاء، وحماية كل خير كامن في باطن البحر والبر”.
وعن ترفع الرئيس شمعون وعضه على الجراح وما كان ليكون موقفه من اتفاق الطائف قال المرتضى:”وعلينا أن نعترف بأن الرئيس شمعون كان خلال الحرب الأهلية من القلائل الذين عرفوا كيف الخروج من ألم الجرح الخاص إلى رجاء خلاص الوطن. لم يتغير له اقتناع سياسي في تلك المرحلة بلا ريب، على الرغم مما ناله من أذى قريب، بل استمر في الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته من وجهة النظر التي آمن بها، واستمرت الجبهة المقابلة له في الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته من وجهة النظر التي آمنت بها، حتى تلاقت الجهتان بعد رحيله على اتفاق الطائف، الذي أعتقد جازما، أن الرئيس شمعون، لو كان مد الله في عمره بضعة أعوام، لكان من أشد المبشرين بهذا الاتفاق والعاملين على تطبيقه، باعتباره ضمادا لجراح الحرب من جهة، وعهدا جديدا من التشاركية الدستورية في إرساء العيش الواحد بين اللبنانيين، من جهة أخرى”.
وعن المعترك الطويل الذي اتسمت به مسيرة الرئيس شمعون وانطباع الأخير عن الرئيس نبيه بري وعلاقته المتميزة بالرئيس الشهيد رشيد كرامي والسعي الدائم الى التسوية الذي اتسمت به منهجيته السياسية أشار إلى أن ” الرئيس كميل شمعون الذي استمر في المعترك السياسي والوطني على مدى أكثر من نصف قرن، سفيرا ونائبا ووزيرا ورئيسا وقائد حزب ونضال، أثبت أن الديمومة في العمل العام يستحقها من يبقى حائزا على ثقة الشعب، ولا سيما عبر الانتخابات النيابية التي هي التعبير الأوفى عن إرادة المواطنين. فإذا قرر الشعب أن تستمر شخصية ما في تمثيله، وتولي شؤونه النيابية، ولو على امتداد العمر، لم يبق لأحد أن يغمز من قناة تلك الشخصية لا مباشرة ولا مداورة. إنها مشيئة الشعب وكل كلام مخالف لها لغو وتخرص وهذيان. كما أثبتت مسيرة الرئيس شمعون الطويلة في عالم السياسة أن الخصومة مهما بولغ في التعبير عنها، يبقى مآلها البحث عن تسوية تعيد الوطن إلى جادة السلام والوئام. وهذا ما فعله في مؤتمري جنيف ولوزان، حيث تعرف عن كثب الى الأستاذ نبيه بري وقال عنه انه الرجل الذكي الذي سيكون له دور بارز ومؤثر جدا في المجريات اللبنانية”، كما نقلت الصحف والكتب. وهذا ما حاوله أيضا في حواراته المتعددة مع دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي حال اغتياله في سماء الوطن، دون اكتمال الحوار بينهما على الأرض، فتأخر الحل الوطني سنوات كانت ضريبتها مزيدا من القتل والخراب والفتنة والتهجير”.
وعن الإنقسام العمودي السائد راهنا في البلد علق قائلا :” ولو راجعنا تلك الأيام الخوالي التي سبقت الحرب المشؤومة وسكنت في بهاء ذاكرة الوطن، لتبين لنا أن التحالفات والمحاور والأحزاب، والكتل البرلمانية لم تكن بمعظمها إلا نتاج رؤية سياسية مشتركة، يجتمع حولها أفرقاء لبنانيون من جميع الطوائف والمذاهب، ويختلف فيها آخرون يجتمعون ضدها على الصورة نفسها. بمعنى أن الشرعية الوطنية للسلطة والمعارضة على السواء، كانت تعطى لكلا الفريقين على أساس المقبولية لدى الشركاء الآخرين في الوطن، لا على أساس الصفاء الديني أو المذهبي، كما تروج له بعض الجهات في أيامنا الحاضرة. فأنت لا تستطيع أن تنشئ من نفسك لنفسك بنفسك حالة وطنية كبرى، ما لم تبنها بقبول الآخر لك فيها، وإلا ظللت مكبل الأفق السياسي ومكبلا الوطن بأصفاد الفراغ”.
وعن الإستحقاق الرئاسي وما يعرقل انجازه اعلن اننا ” نستنتج من مسيرة الرئيس شمعون أن الاستحقاق الرئاسي ينبغي له أن يتم في مواعيده، فلا تعيقه ثورة كما حدث في أيامه، ولا حرد ولا انتظار حوارات خارجية كما يحدث في أيامنا، ولا تقف حائلا دون إنجازه مصالح شخصية ضيقة تتلطى خلف شعارات براقة العبارات فضفاضة المضامين، لا يبحث مطلقوها إلا عن فرص لأنفسهم هم متيقنون من انعدامها راهنا، فيسعون إلى تعطيل فرصة غيرهم، ولكن، عبثا يحاولون، فليس في قدرة أحد أن يحجب الشمس بأصابع منفرجة. ولهؤلاء أقول: إقرأوا خطاب القسم للرئيس شمعون، ففي محتواه ما لا تزال أجيالنا الجديدة تنادي به، وفي خاتمته تحية للزعيم حميد فرنجية ينبغي لها أن تؤنب اليوم ضمائر كثيرين.
وختم:”من دير القمر خرج كميل شمعون، شخصية وقادة كالقمر؛، قاد البلاد مدة وعاش أحداثها عمره كله، وكان محترفا صيد الطيور واصطياد الفرص لنفسه كما لسواه وللوطن. عقد صداقات محلية وعالمية وكانت له خصومات هنا وثمة ككل من يتعاطى السياسة، لكنه في حالتيه من صداقة وخصام ظل مؤمنا بالحوار والتلاقي سبيلا لحل النزاعات، وبلبنان رسالة حضارية تختزن التنوع الموحد والوحدة المتنوعة، لأجله عاش وكافح، حتى إذا استرد الله تعالى منه وديعة حياته الخصبة الزاخرة، عاد إلى تراب بلدته، عودة القمر إلى ديره، ليستقر فيه وفي قلوب محبيه وفي ذاكرة لبنان إلى الأبد. رحم الله الرئيس شمعون وبارك في من أحيا ذكراه”.