كسرُ ذراع الكيان الخارجية ضرورةٌ وقطعُ يده الطويلة حاجةٌ بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لسنا في حاجةٍ إلى تبني إسرائيلي رسمي للعدوان الأخير الذي قامت به ليل أمس على العاصمة السورية دمشق، حيث قصفت طائراتها الحربية مناطق سكنية مدنية في العاصمة دمشق، وأخرى استهدفت جنوب سوريا، قُتل وجرح جراءها مواطنون سوريون مدنيون، وتسببت في دمارٍ كبيرٍ في البناية المستهدفة وفي الأبنية السكنية المجاورة، في عدوانٍ سافرٍ ومباشرٍ على دولةٍ عربيةٍ وشعبٍ شقيقٍ، لم يكن هو الأول من نوعه، فقد سبقه عشرات الغارات الصاروخية التي طالت أكثر من منطقةٍ في سوريا، وتسببت في تدمير مطاراتها وتعطيل الملاحة الجوية فيها، وألحقت بالبلاد خسائر بشرية ومادية كبيرة، إلا أن الغارة الأخيرة تختلف عن سابقاتها، كونها استهدفت مناطق سكنية مدنية مأهولة.
فالغارات العدوانية ليس في حاجةٍ إلى هويةٍ واعتراف، ولا إلى تبني وإعلان مسؤولية، فليس إلا الكيان الصهيوني الذي يقوم بمثل هذه العمليات الجبانة، التي تستهدف كل مكانٍ يشعر بأنه يشكل خطراً عليه، ويهدد أمنه، ويحتضن المقاومة ويرعاها، أو يهيئ لها ويؤمن بها، وهو وإن أخفى مسؤوليته، أو لم يعلن رسمياً عنها، فإن تصريحات قادته ومفردات خطابه الإعلامي والسياسي، تؤكد دوماً مسؤوليته المباشرة عن مثل هذه الأعمال العدوانية، التي لا أرى أنها ستنتهي أو تتوقف يوماً ما لم يلق ردوداً مزلزلة، وغاراتٍ مشابهةً، وعملياتٍ رادعةً، تؤلمه وتوجعه، وتكلفه وتستنزفه، وتزيد في توتره وعدم استقراره.
اعتاد الكيان الصهيوني قديماً على التباهي والمفاخرة بجيشه الذي لا يهزم، وبذراعه العسكرية الطويلة التي لا تكسر، وبطيرانه الحربي القادر على الوصول إلى أبعد مدى، وتنفيذ أصعب العمليات وأدقها في عمق أرض “العدو”، وبجهازه الأمني الخارجي القوي والقادر على الوصول إلى أهدافه المرسومة، وقد سجلت العقود الأخيرة من القرن العشرين صولاتٍ وجولاتٍ واسعةً لجيش هذا الكيان وعملياته، ومغامراتٍ كبيرة لجهاز أمنه الخارجي “الموساد”، الذي طال قتلاً واغتيالاً عشرات الشخصيات الفلسطينية والعربية.
في تلك المرحلة كان العدو الإسرائيلي يشعر بالقوة والاستعلاء، ويعيش الغطرسة والغرور، ويدعي القوة والعظمة، فاثخن فينا واستشرس، ونال منا وأوجعنا، ومع ذلك فقد كان يتلقى ردوداً وتطاله بعض صفعات المقاومة وإن لم تكن قاسيةً كعملياته، وموجعة كغاراته، لكن المقاومة العربية عموماً ما كانت تسكت على عدوانه، ولا تستسلم لجبروته، ولا تخضع لتفوقه، بل كانت ترد بما تستطيع، وتواجه بالقدر الذي يتوفر لديها، وكان العدو يحسب حسابها، ويخشى من بعض ردودها.
اليوم إذ نستنكر هذا العدوان الهمجي الأخير، وندينه وكل الاعتداءات الإسرائيلية السابقة، التي نحمل الكيان الصهيوني كامل المسؤولية عنها وعن كل عدوانٍ يطال منطقتنا العربية والإسلامية، الذي لا نراه يختلف أبداً سواء كان في سوريا أو في فلسطين، وفي إيران أو في لبنان، أو في العراق وفي السودان، فإن اليد الآثمة هي نفسها، والعقل الإرهابي المجرم هو ذاته، فإننا نتطلع إلى ردودٍ موجعةٍ تردعه، وعملياتٍ انتقامية تؤلمه، ومبادراتٍ استباقية تؤدبه، وأهدافٍ ثمينة نصل إليها، وإرادةٍ صادقةٍ نقطع بها يده، ونكسر بها ذراعه، ونفل بها قوته.
أما شعوبنا العربية والإسلامية التي تدفع الثمن غالياً وتقدم حياتها على مذبح الصراع مع هذا العدو الباغي المعتدي، فإنها قد ترضى بالتضحيات، وقد تصبر على الآلام والأوجاع عندما ترى ردوداً تشفي غليلها، وعملياتٍ انتقامية تبرد نار غضبها، وتعيد رسم البسمة على شفاهها، وهي شعوبٌ حرةٌ أصيلة، شهمةٌ كريمةٌ، لا تبيت على الظلم، ولا تقبل بالضيم، ولا تستكين على الذل، ولا تقبل عزاءً أو تفتح للمعزين سرادقاً قبل أن تلقن المعتدي درساً، وتنال منه أضعاف ما نال منها، ولا يهنأ لها عيشٌ حتى ترى عدوها دائماً على قدمٍ واحدةٍ يترقب، وعيونه ساهرة تتوجس، ونفسه حائرة تتقلب.
فهذا العدو لا يفهم غير لغة القوة، ولا يستوعب غير الرد والانتقام، ولا يردعه غير الخوف والكلفة العالية، ولا يعنيه أبداً التهديد والوعيد، ولا الاستنكار والتنديد، ولا يأبه للقرارات الدولية والتوصيات الأممية، وأمتنا العربية والإسلامية ليست عاقرة ولا مستخذية، فرجالها صيدٌ أباةٌ كماةٌ مقاتلون، وأبناؤها أبطالٌ أماجد صناديدٌ مقاومون، وهي لم تُعدم وسيلةً للرد والانتقام، ولا سبيلاً للثأر ورد العدوان، ولديها القدرة والعزم، والإرادة والفعل، والعدو يدرك أن المقاومة اليوم ليست كتلك التي كانت بالأمس، مقاتلين وقادة، وعمقاً وحاضنة، فهي مقاومةٌ حرة ومستقلة، وصادقةٌ ومخلصةٌ، وقادرة وقوية، وتَعِدُ وتفي، وتهدد وتنفذ.